2009/09/12

عودة زمن المعجزات



أوسلو في7 سبتمبر 2000
بقدر ما كانت سعادتي بانتفاضة الأقصى المباركة، كانت خشيتي أن يشوب سلطنة عمان هدوء حذر، ويكتم الشعب عواطفه، ويجلس العمانيون أمام شاشات التليفزيون يشاهدون الحجر الفلسطيني يتصدى، للرصاص، والصدور العارية للأطفال تخيف جنود البغي الصهاينة.
ولكن سلطنة عمان تحمل فوق أرضها الطاهرة شعبا يمارس حقوقه الوطنية ويعبر عن مشاعره دون خوف أو وجل، فخرجت المسيرات لأيام متواصلة تؤكد للعالم أجمع أن الدور الوطني الذى رعاه السلطان قابوس بن سعيد يعرف طريقة للانفجار فى مشاعر فياضة، لاكتفى فيها الزعيم بدور المشاهد، ولكنه يمارس فعل النضال فى أرقى مستوياته.
ولهذا أمر السلطان قابوس بن سعيد بفتح حسابات شعبية للتبرع من أجل نصرة شعب فلسطين، والدفاع عن الأقصى.
السلطان قابوس واحد من القيادات المعاصرة فى العالم الذى سيسجل بأعماله المؤرخون لعقود طويلة قادمة تاريخا مشرقا لنهضة بدأت من الصفر أو أدنى منه بقليل وقفز بشعبه فى ثلاثين عاما ثلاثة قرون أو أكثر.
سلطنة عمان تفتح أبوابها ومطاراتها وقلوب أبنائها لمن أراد أن يشاهد بأم عينيه عودة زمن المعجزات.
فى مساحة واسعة من الأرض وبعدد سكان قليل نسبيا، صنع العمانيون بقيادة السلطان قابوس بن سعيد بلدا جديدا ليس فيه من العالم القديم غير البحر والقلاع وطيبة أبناء الشعب.
زمن المعجزات يعود ويرهقه العمانيون عدوا وجريا فى كل الاتجاهات وعلى كل الأصعدة، فان تم افتتاح ملتقى ثقافي فى ولاية ما، ففي أخرى مهرجان فني وفى ثالثة حملة للوعي الصحي، وفى رابعة سباق لصون التراث الطبيعي، وفى خامسة إنشاء اكبر شبكة طرق فى المنطقة، وفى السادسة اكتمال البنية الأساسية من مستشفيات ومدراس ومجمعات سكنية ومرافق خدمات وإدارات لمتابعة شؤون ومطالب المواطنين والوافدين.
يتعجب المرء من القدرة على متابعة كل صغيرة وكبيرة فى هذا البلد العربى الإسلامي الذى كان لثلاثين عاما مضت فى سبات أكثر عمقا من نظيره فى عهد الأمامية باليمن. . الجار الشقيق لسلطنة عمان.

أى بلد عربي يتابع فيه المهتم بشؤونه تحريضا من الزعيم نفسه للمرأة أن تلعب دورها الوطني فى كل المجالات، فضلا عن دورها الطبيعي الذى كرمها به المولى عز وجل.
لهذا أشادت المُجْتَمِعات فى مؤتمر القاهرة للمرأة بأن المرأة العمانية تعيش أفضل ظروف فى المنطقة برمتها، فى نفس الوقت الذى كان المسؤولون فى وزارة الصحة العمانية يقدمون برنامجا عن الولادات المتباعدة وأهميتها لصحة الأم. أو بالأحرى المواطنة فى عهد السلطان قابوس بن سعيد.
سلطنة عمان ترتدي أبهي الأزياء والأشكال والزينات لتزف العروس هذه المرة وهى مسقط ليحتفل العمانيون وعاهلهم بالعيد الوطني الثلاثين لاستيقاظ دولة كانت على هامش التاريخ ولا يسمع بها أحد، ويتحالف فوق أرضها الفقر والجهل والمرض والتخلف والأمية.
العمانيون واثقون من أن الخطة السادسة التى وضعوها لتضع سلطنة عمان على خريطة القرن الحادي والعشرين ستذهل العالم قاطبة، وسيأتي اليوم الذى يفاخر فيه كل عربي بأنه قادم من وطن كبير فى قلبه سلطنة عمان ولو كانت جغرافيا فى أقصى الأرض العربية.
نعود إلى الدور الوطني للسلطان قابوس بن سعيد الذى ظن الكثيرون من المثقفين والإعلاميين انه يبحث عن السلام فى أى صورة من الصور ويبتعد عن موجعات الرأس العربية من أزمات ومشاكل وصراعات، ولكن الحقيقة كانت غير هذا بالمرة، فالرجل الذى أوفى بعهده أمام الله لإخراج شعبه من التخلف إلى التقدم ومن الظلمات إلى النور لايمكن إلا أن يحمل بين جنبيه قلبا وطنيا يعتصر ألما وحزنا على أى ظلم يقع بأبناء وطنه العربى فى أى مكان.
وفتح مكتب للتمثيل التجاري فى مسقط يقف فيه موظف إسرائيلي لم يكن رغبة سلطانية سامية، ولكنه كان دعما، على ما نظن نحن للموقف الفلسطيني وطلبات ياسر عرفات المتكررة من الزعماء العرب أن يقيموا علاقات مع تل أبيب لتساعده على اللعب بأوراق أكثر وأقوى.
المشاعر الوطنية العمانية التى كانت مفاجأة للعرب من المحيط إلى الخليج لم تصدر عن فراغ لكنها تربّت فى أحضان قيادة وطنية انتظرت سنوات طويلة للتحقق من أن الشعب سيفجرها فى إطارها الصحيح بدون أن تنكسر فى مسقط زجاجة واحدة أو تتحطم عجلة سيارة أو يهاجم متظاهرون ممتلكات الدولة، وهى فى الواقع ممتلكات الشعب العمانى.
ولم يطلب السلطان قابوس من المصرف العمانى تحويل مبلغ للانتفاضة، لكنه رأى أن الشعب أحق بفرحة التبرع من المصرف، وأن الشعور الوطني السائد يستحق أن يتحول إلى عمل خيري جماعي من
أجل فلسطين، وليس فقط دعما من القيادة، فهي فى كل الأحوال أموال الشعب.
وفى هذه الأيام يكون السلطان قابوس بن سعيد بين أبناء شعبه فى جولات ميدانية تنتقل من مدينة إلى أخرى ومن قرية إلى صحراء شاسعة، ومن خيام متنقلة إلى مجمعات سكنية فى رحلة ينتظرها العمانيون فى كل عام وهى لا تغنى عن الشورى، لكنها صورة أصيلة لمشهد برلمان متجول لا يفرق بين مكان وأخر، ويرى سلطنة عمان وحدة واحدة ولست العاصمة فقط.
هنيئا للعمانيين بتجربة التضامن الجهاد مع انتفاضة الأقصى، وهنيئا لهم بالعيد الوطني الثلاثين فى الثامن عشر من نوفمبر.

ليست هناك تعليقات: