2009/09/04

سلطنة عمان .. واحة السلام



في سرادق الحزن الذي يتلقى فيه العرب التعازي على الوضع العربي, وعلى الانهيارات والكوارث وافتقاد الأمل في مستقبل مشرق وعلى الهزائم المادية والمعنوية التي تسقط فوق رؤوسنا مع اشراقة شمس كل صباح جديد, تتجنب سلطنة عمان حضور العزاء العربي, وتعيش عالمها الذي صنعته ثورتها المباركة, وتحافظ على النهضة, وتطورها في كل ساعة من ساعات الليل والنهار, فلا هي تبتعد عن هموم وطنها العربي, ولا هي تترك انحدار الوضع يؤثر في مسيرتها.
لم يترك السلطان قابوس بن سعيد شعبه في حيرة أو في انتظار ما سيسفر عنه مشهد الجحيم القادم فتتوقف النهضة, ويذهب العمانيون إلى بيوتهم لمشاهدة التلفزيون أو تتراجع حركة البيع والشراء والمشروعات والاستثمارات, فالعاهل العماني توصل إلى قناعة منذ بداية تلاحم كل القوى العمانية خلفه في صناعة واحة السلام والرفاهية والتقدم.
معظم زعمائنا ومسؤولينا ووزرائنا العرب يدخلون في معارك جانبية, ويتربص كل منهم بالآخر, ويقولون في الغرف المغلقة شيئا ويفعلون عكسه أمام الجماهير, ويبثون الروح في طاغية بغداد, ثم يقدمون البيعة للبيت الأبيض, ما عدا سلطنة عمان فهي حالة من السياسة القائمة على مباديء أخلاقية وأدبية تتقدمها مصلحة الشعب العماني قبل أي شيء آخر.
ربما لو استعان العرب وتوحدوا خلف السلطان قابوس بن سعيد لانهاء الأزمة العراقية لوجدوا طريقا آخر يجنبهم مرارة الاستجداء والتوسل والضعف والهوان, تماما كما كانت الحكمة نصب عينيه في قضايا الحدود والهموم الداخلية لوطنه وشعبه.
هل لسلطنة عمان مشكلة مع أي بلد عربي أو إسلامي أو أي دولة أخرى في المشرق والمغرب؟
لا نظن أن حكمة السلطان قابوس بن سعيد تسمح باي خلاف حتى لو كان الطرف الآخر مسببا له فإن استمراره غير مقبول بالمرة في السياسة العمانية, باستثناء القضايا المصيرية والقومية المتعلقة بالاستعمار والاحتلال الصهيوني والهجوم الظالم على الاسلام الحنيف وأيضا محاولة البعض مس بعض المواطنين العمانيين في شبهة تنظيم القاعدة, وهنا ينتفض العاهل العماني ويدافع عن كرامة شعبه ولا يترك رعاياه, كما يفعل الآخرون, يتعذبون ويستصرخون النخوة العربية في معتقل جوانتانامو.
كم وددنا أن تلعب سلطنة عمان دورها الكبير بطلب من جامعة الدول العربية أو من الأعضاء أنفسهم, لكن أوهام العرب في أن الدول الكبيرة هي التي تصنع القيادة والزعامة تقف حاجزا وحائلا دون حل قضايانا المعلقة.
ربما لهذا لم يكن للسلطان قابوس بن سعيد مكان في مؤتمر شرم الشيخ, فهو لا يجيد أدوار الازدواجية, ولا يلعب بمصير شعبه, ولا يتحدث لغتين, واحدة للعرب والثانية لأمريكا.
قبل أيام أو ساعات أو دقائق من حرب الأزرار الالكترونية التي يتولاها جنرالات الجيش أمام أجهزة كمبيوتر في قاعدة العديد القطرية, تبدو سلطنة عمان وكأنها ترفض تعطيل المسيرة لساعة أو بعض الساعة.
مازلت في دهشة من قدرة الشعب العماني بقيادة السلطان قابوس على صناعة زمنه الجميل بنفسه ولو كان الآخرون يلطمون الخدود, وينهبون خيرات بلادهم, ويقدمون الوطن على طبق من فضة لحيتان المال والسرقة والنهب, ويدخلون في مشروعات فاشلة, ويحلمون بتأسيس امبراطوريات تحكمها نمور من ورق, ويطاردها صندوق النقد الدولي, ويفرض الدائنون الآخرون الشروط عليها.
في سلطنة عمان لا يقترض لص عشرات الملايين من المصرف العماني الوطني ثم يهرب إلى خارج البلاد, ولا يقام مشروع استثماري قبل أن يبحث المسؤولون كل جوانبه دون رشوة أو محسوبية مقابل الموافقة, ويتعلم العماني أن الولاء لوطنه يبدأ في المحافظة عليه في أي صورة من الصور حتى لو كانت البيئة أو التعليم أو الصحة أو النظافة أو السياحة أو ..
كل ما يخطر على بال المرء في أدق الأمور الداخلية والتفصيلات التي لا تكترث لها أي نهضة عربية أخرى يجدها في سلطنة عمان, ولو كانت مسابقة في فن الالقاء والخطابة, ودورات تدريبية عن البرامج الفردية للأطفال المعوقين ذهنيا وكيفية التعامل مع احتياجاتهم الخاصة, وتعريف المزارعين بالتقنيات الحديثة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية, واقامة دورات في صيانة أجهزة الكمبيوتر والتعرف على تقنية المعلومات والمشاكل التي تواجه العاملين على الكمبيوتر, ولا تخلو السلطنة من التعاون التام بين واضعي العملية التربوية والتعليمية وبين مجلس أباء وأمهات يناقش القضايا الحية ويكون ملما بسير العملية التربوية والتعليمية.وهواجس البيئة في سلطنة عمان لها اولوية تتقدم كل الأشياء الأخرى, حتى أنها جعلت للبيئة عاما اضافيا تعتبره من مرتكزات النهضة.
والعمانيون يحافظون على بلدهم, ويسارعون إلى الانخراط في أي حملة توعوية أو بيئية أو تعليمية حتى أن المئات من الشباب تسابقوا إلى المشاركة في تنظيف الشواطيء باعتبارها مسؤولية الجميع.
وتشجع الدولة مشاريع انشاء صندوق التكافل الاجتماعي لحل المشكلات وغرس مفهوم التعاون البناء بين مختلف أفراد المجتمع وايجاد التواصل المستمر لحل مشكلات المعوزين عند الضرورة ويساهم في الصندوق أبناء كل ولاية على حدة.
إدارات الاسكان تقوم بتوزيع أراض سكنية للمتقدمين لتحقيق مبدأ السكن الملائم واللائق
والكريم للمواطنين, وهناك برامج تدريبية لتدريس تقنيات التعليم والتعرف على تكنولوجيا المعلومات الحديثة.
وتحتل الزراعة حيزا كبيرا من اهتمامات الدولة, وفي طول البلاد وعرضها ندوات كثيرة عن الوعي الزراعي, والرقي بمستواه للوصول إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمة ولسلطنة عمان سابقتان في التقدم على كل الدول العربية في الحفاظ على البيئة وكذلك الوعي الصحي ونظافة المستشفيات والأجهزة وغرف العمليات والأسرة وحسن اختيار ملائكة الرحمة.
ولم ينس العمانيون ندواتهم عن العدل والقضاء وتدعيم دولة القانون والتعرف على مبدأ التدرج الهرمي للمحاكم ومعرفة الحقوق والواجبات الوطنية وفقا لقوانين الدولة والقائمة على مباديء انسانية.
المادة 61 من دستور الدولة تعزز استقلالية القضاء, وترفض مبدأ التدخل السلطوي في القضايا وفي شؤون العدالة.
ومساحة سلطنة عمان كبيرة لعدد قليل من السكان, لكن رصف الطرق الداخلية يحتل مكانا هاما في فكر المسؤولين على الرغم من التكاليف الباهظة في دولة مواردها ليست كبيرة, لكن نهضتها أكبر بكثير من دول عربية كبيرة تدخل خزينتها أموال طائلة من عائدات ليس للدولة فضل فيها.
التلاحم بين السلطة والفرد في سلطنة عمان قائم على قناعة تامة بأن الوطن ملك للجميع, والغريب أن الشرطة تقوم بعمل حفل تكريم لخمسين مواطنا ساهموا معها في عمليات انقاذ في أحد الحوادث.
وفي عمان ستجد كل أنواع الندوات التعريفية في كل المجالات حتى الاستخدام الأمثل للمبيدات في المحاصيل الزراعية, ولو كنت تبحث عن تفسيرات لقانون الأحوال الشخصية فستعثر عليه بسهولة في ندوة أو محاضرة أو تذهب إلى جمعية المرأة العمانية وهناك تتسلم نسخة من محاضرة أو ندوة عن القانون وحقوق المرأة والرجل وواجبات الطرفين ودور الدولة والقضاء والعدالة, والتعرف على التركة والوصية واجراءات الزواج والطلاق والنسب والعدة والأهلية والاستطاعة والحضر والتحريم.
وسلطنة عمان تولي الطفل اهتمامات بالغة وتقوم في كل ولاياتها مسابقات ثقافية وترفيهية وتعليمية يشارك فيها الآباء والأمهات.
وتظل سلطنة عمان واحة السلام في المنطقة, ويتعمق الولاء للوطن عندما يصل المواطنون إلى قناعة بأن ثروات بلدهم تعود إليهم أضعافا مضاعفة, وأن السلطة تخدمهم ولا تحكمهم, وأن دولة الرفاهية والأمن والسلام والوئام والاعتدال الديني هي الهدف الأسمى للنهضة المباركة.
سلطنة عمان نموذج للدولة العصرية وفخر للعرب كلهم وليس فقط للعمانيين.




ليست هناك تعليقات: