2009/08/31

خريف صلالة .. ربيع العرب!





أوسلو في أغسطس 2004خيط رفيع يربط بين شهادة مجروحة لأنها تخلط العاطفة بالواقع، وبين عدل في الشهادة لأنها تنقل واقعا لا يعيبه أن تلتقطه العاطفة وتضمه إليها.
لماذا نستريح في نهاية المطبوعة الصغيرة على شاطيء عمان، أو في خريف صلالة، أو مع فكر السلطان قابوس بن سعيد، أو مع طيبة العمانيين الذين لم تمسهم سلوكيات اقتحمت عنوة معظم مدن وقرى ونجوع عالمنا العربي فجعلتنا لا نتعرف أحيانا على مشهد منه، ولا نصدق أننا ننتمي إلى هذا المكان سواء كان في خطط حكومية فاسدة، ونهب واهدار للمال العام، وشرعية حاكمة استمدتها من تزوير رغبات الشعب، وتراجع في كل المجالات؟
ربما لأننا في أمس الحاجة للتعريف بهذا البلد العربي الذي حقق في أربعة وثلاثين عاما ما عجزت عنه أنظمة كثيرة ورثت مالا وبترولا وأرضا زراعية وبنية تحتية ( مثل مصر والجزائر وسوريا والعراق ).
مرة رابعة وخامسة وعاشرة نحاول قراءة ما في فكر السلطان قابوس بن سعيد فلا نعثر بالسر ولكن بحب هذا العاهل الأسمر لشعبه حبا جارفا جعل أمامه هدفا أكبر لا يحيد عنه قيد شعرة: حياة انسانية كريمة متطورة للشعب العماني.
أما أثقال الماضي، والحرب التي أكلت الأخضر واليابس، والتخلف الشديد الذي ضرب عُمان كلها، فقد ألقتها النهضة المباركة وراء ظهرها، فالسلطان ليس لديه وقت لغير الحاضر والمستقبل، وهو لا يسمح بدغدغة مشاعر الشعب من أجل المَنّ على رعاياه بأنه أخرجهم من عصر كانت فيه عُمان على هامش التاريخ، وضيفا دائما في المنسيات التي لا يكترث لها كاتب أو مؤرخ أو مهتم بالمنطقة وقضاياها.
الانسان العماني لم يأت من الصفر، وتلك هي عبقرية الحكم لدى السلطان قابوس، فالعمانيون يعتزون بتراثهم، ويفتخرون بتاريخهم، ويحتضنون قلاعهم كأنهم في حالة عشق دائم لهذه الأرض، أو في حالة دفاع عن ممتلكات تحمل في جوفها الهوية العمانية، لكنهم أيضا غير معنيين بما انشغل به كثيرون في دول عربية أخرى عندما استخرجوا من تاريخهم القديم والجديد موانع التطور، وعبثوا في دفتيّه لنقل خلافات مضت إلى حاضر لا يستطيعون التعامل معه.
العماني ليس معنيا بثورة ظفار أو الصراع مع اليمن الجنوبي أو سنوات المد الماركسي أو خصومة والد السلطان مع التطور العلمي، فقد نجح العاهل العماني في جعل مواطنيه ينظرون دائما إلى الأمام.
الثورة السياحية التي تقوم بها سلطنة عمان بدأت تؤتي أكلها، والغريب أن الذين استعجلوا العمانيين منذ عدة سنوات للتعريف ببلدهم سياحيا فوجئوا بأن العمانيين لم يكونوا مكترثين تماما لهذه العروض، فهم يعرفون أن السياحة بدون فنادق خسارة سترتد عليهم، لذا انتظروا عدة سنوات حتى تتمكن شركات السياحة من التعرف على المدخل الأوسع في سلطنة عمان لاغراء وجذب السياح.
قرأت أول أمس برنامجا سياحيا نرويجيا عما ستقوم به بعض الوفود السياحية فأدهشني أن الأوروبيين اكتشفوا سلطنة عمان من خلال أجمل ما يمكن أن تقدمه، أي الشمس والبحر والشواطيء والتراث والقلاع ورحلات السيارات.
إنني متفائل .لمستقبل سياحي عماني يمكن في غضون عشر سنوات أن تتحول هذه الدولة إلى أكبر قبلة للسياح الأوروبيين واليابانيين، وإلى ملتقى السياحة العربية العائلية.
السبب أن المواطن العماني يعرف كلمة السر التي تجعل السائح يستمتع بزيارته ويعود مرة ثانية وثالثة .. إنها ترك السائح يتجول بمفرده، ويشاهد البضائع دون أن يشتري، ويتسوق فلا يزعجه بائع ولا يطارده متسول، ولا ينفره متطفل.
ولنكن أكثر صراحة حتى لو قارنت بين بلدي الأم وبلد عربي آخر لصالح الأخير فكل بلاد العرب أوطاني!
في مصر يطارد الكثيرون السائحين، ويظن كل بائع أن جيب الزائر مليء بالدولارات، وأن الخليجي لا يكترث للغلاء، ولا يهتم بالأسعار، وأن بداره في الرياض أو الكويت أو الدوحة أو أبو ظبي بئر نفط كلما نفد حفرا بئرا آخر.
وفي المغرب يطارد البائعون السائحين ويدخلونهم بالاكراه إلى محلاتهم، ولا تسير الفتاة الأوروبية بمفردها في أمان أكثر من خمس دقائق.
السياحة فن وعشق للوطن ورغبة في التفاخر به أمام الأغراب واعتزاز بتراثه، وكل هذه الأشياء متوفرة في سلطنة عمان.
لا أدري لماذا لم يستفد العرب من التسامح الديني في سلطنة عمان؟
في عالمنا العربي ضجيج وصياح وصراخ وكل ينادي على بضاعته الدينية، ويعرض مذهبه، ويفرض فكره، ويسخر من الآخرين، ويتهكم على المخالفين.
وفي قاموس مفردات التدين تختلط أشياء عجيبة، فلبنان بمفرده تحكمه سبع عشرة طائفة، ويتعجب المرء من تغلغل الفكر الطائفي في الوجدانيات والعواطف فيرى أصحاب المذهب المشترك أنهم يتجمعون حول إيمان واحد، وأنهم طائفة أو فئة تشترك في أشياء كثيرة، وللحقيقة فهذا خداع للنفس لأن ما يجمع الانسان بأخيه الانسان آلاف الأشياء الأخرى غير الملموسة أو المعروفة من مشاعر وأفكار وعواطف ورؤى وتجاذب بدون سبب أو نفور بدون معرفة مسبقة ...
لذا ليس غريبا أن لا يفهم الآخرون سبب نجاة سلطنة عمان من التطرف، وأن ارهابيي الحادي عشر من سبتمبر لم تشهد مسقط أو صلالة أو عبري أو نزوى مولدهم.
لا يتلهف العمانيون على نجوم التلفزيون الذين يبيعون الدين تمثيلا وادعاء وزبيبة صلاة وبكاء على أحوال المسلمين، فالعماني متدين بالفطرة، ويتوجه إلى الله في بيته أو في المسجد، ويتابع البرامج الدينية بقدر، أي لا تشغله عن أمور دنياه ولا يهملها فيبتعد عن التعرف على دينه.
الاعلام العماني الذي صنعه الأستاذ عبد العزيز الرواس ووضع بصماته عليه وتعرف من خلاله عدد هائل من الاعلاميين على سلطنة عمان لا يزال يتجدد، والتعاون القائم بين الوزير الأستاذ حمد بن محمد الراشدي ووكيل الوزارة الشيخ عبد الله بن شوين الحوسني خدم ذلك التجديد، وتمكن من التعريف بالنهضة المباركة، ويشترك الرجلان في إيمان واضح بفكر السلطان قابوس بن سعيد ومتابعة توجيهاته.
لا يخشى الحكم في سلطنة عمان مواطنيه، ولا يتعقب معارضة أو مناهضة أو يراقب تجمعات في الخارج.
استفسرت من صديق يعمل في مكتبة خلال زيارة للعاصمة البريطانية عن كتابين صدرا ويحتويان على أكاذيب وتلفيقات وحكايات من نسج خيال مريض عن السلطان قابوس بن سعيد، فقال لي: بأنه باع نسختين فقط من أحدهما، والآخر لم يثر انتباه أحد قط، على الرغم من أن الكتب المناهضة للحكام العرب تحقق أكبر مبيعات في مكتبات لندن.
نكتب هذه الكلمات وعمان تحتفل بعيدها المجيد، وتتوجه عشرات الالاف من الأسر العربية إلى خريف صلالة، وتتعاون وزارة الاعلام مع محافظة ظفار وشؤون السياحة في وزارة الصناعة والتجارة في تناغم عجيب.
الدعوة إلى تعريف كل العرب بخريف صلالة أمانة، وعندما يكتشف الزائرون لها أنها الرحلة التي تناسب كل الأعمار والأفراد والجماعات والعائلات فإن رحلتي الشتاء والصيف إلى منتجعات سياحية أخرى لا ترى في العرب إلا ما ينفقونه تصبح رحلة واحدة إلى جنة الخليج .
دخلت كل أجهزة الدولة في عالم الانترنيت ولم تعد هناك أي حجة لشخص بأنه لا يعرف مايدور في سلطنة عمان، وكيف تطورت، وما هي الأماكن السياحية الأكثر جذبا.
في سلطنة عمان تغمض عينيك وتبتسم، ثم تفتحهما على ما تبحث عنه .. صيد الأسماك، السباحة، الغطس، سباق السيارات، الأمان على شواطيء ممتدة بمئات الكيلومترات، تعامل ودي ودافيء مع شعب كريم، تسوق، متاحف، قلاع، تراث، أسعار مناسبة.
في زيارتي الأخيرة قابلت عائلة سويدية في الفندق بمسقط، وقص علي رب الأسرة أنهم سافروا إلى أماكن كثيرة في أوروبا والعالم العربي واكتشف كل أفرادها، وأطفالهم في المقدمة، أن سلطنة عمان هي فعلا جنة المنتجعات السياحية .
تهنئتنا لشعبنا العماني بالثالث والعشرين من يوليو المجيد وبخريف صلالة.

ليست هناك تعليقات: