
13 يناير 2007
ترى هل سمع السلطان قابوس بن سعيد نبضات قلب كانت تشد الرحال إليه من كل صوب وحدب باحثة عن إجابة لسؤال لم اخترق موضع القلق في صدور أحبابه؟
سألني وزير عربي إن كنت قد لاحظت غياب أخبار السلطان قابوس لبعض الوقت؟
انتقل القلق إلى بسرعة كبيرة، والحقيقة التي لم أخفها هي أنني أحمل لهذا القائد العربي الكبير محبة شديدة جعلتني أصدر كتابي السابع تحت عنوان ( سلطنة عمان .. جنة الخليج ) وكان الاهداء في المقدمة للعاهل العماني الكبير ولا أدري حتى الآن إن كان قد قرأه أم لا .
و( سلطنة عمان .. جنة الخليج ) هو عنوان القسم الخاص في موقعنا على الانترنيت ناشرا فيه مقالاتي عن هذا البلد العربي الطيب والتي أنشرها أيضا في ( طائر الشمال ) .
وتابعت الأخبار، وطرحت نفس السؤال بطريقة غير مباشرة خشية أن يتوسع السؤال ويأتي بعكس حسن النية التي لفته برفق شديد.
وكان أن شاهدت صورة الاستقبال الكريم من السلطان قابوس لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
كل القادة الذين يحملون مشاريع اصلاحية تنتابهم بين الحين والآخر فترة من الارهاق والتعب والرغبة الشديدة في الراحة.
وكل أصحاب الأحلام الكبرى يكتفون بعد عدة سنوات قد تطول أو تقصر باختصار الأحلام فهم يوزعونها على فروع متدرجة ترتبط بالقصر، ثم يبدأ التصارع والتصادم حتى لو كان حسن النية متوافرا مع كل الأطراف.
سلطنة عمان حالة خاصة من الحلم المستمر الذي كلما تحقق جزء منه، يكتشف السلطان قابوس أن فكره استدعي فورا أحلاما جديدة ليشغل بها خططه الخمسية وتوجيهاته وأوامره ليصنع طريقا طويلا يمتد من عام 1970 إلى تلك اللحظات التي انتاب الكثيرين القلق، كأنه يريد أن يختبر أحباب السلطان على كثرتهم.
المرة الأولى التي كتبت فيها عن سلطنة عمان كانت عام 1986، أي منذ أكثر من عشرين عاما، وظللت أتابع خطوات النهضة من بعيد دون أن أقترب أو أقوم بزيارة السلطنة لأكثر من عشر سنوات.
ثم جاءت مصادفة عندما قمت بزيارتي اليتيمة لقلب العروبة النابض بدعوة من الدكتور محمد سلمان وزير الاعلام السوري آنئذ. وكان هناك مؤتمر لوزراء اعلام الدول العربية في نفس الفندق بعاصمة الأمويين.
قبيل مغادرتي دمشق تركت لموظف الاستقبال كتابي الرابع وهو تحت عنوان ( كتابات ضد الصمت ) وعليه اهداء لوزير الاعلام العماني الأستاذ عبد العزيز الرواس.
لم يدر بذهني قط أنني سأتلقى دعوة لزيارة مسقط فكتاباتي الحادة والمباشرة قد تسبب حرجا شديدا للمضيفين العمانيين.
بعد فترة تلقيت الدعوة الكريمة، وظننتها في الواقع زيارة عادية أقارن فيها ما كتبته عن سلطنة عمان لعشر سنوات والحقيقة الماثلة أمامي.
وكانت المفاجأة ..
بعض المدن تسقط في غرامها وأنت بعيد.
وبعض المدن تقوم بزيارتها مرة واحدة في العمر، فالعالم مليء بأماكن تشد إليها الرحال.
وبعض المدن توردك الهوى منذ اللحظة التي تطأ فيها قدماك مطارها، ويستقبلك أهلها، وكأنك تعرفهم منذ اللازمن!
شعب خجول بكر يخشى أن تلتقي عيناك بمضيفك لئلا يحرجك كرمه.
تواضع جم كأن العماني يتحدث همسا عن نهضته المباركة، لكنه في الواقع يخفي فرحة في الصدر أقرب إلى الاحتفال بعيد مستمر منذ عام سبعين.
لم أصدق المشهد للوهلة الأولى فهذا بلد كان المؤرخون يعرفون ماضيه جيدا، لكنهم أهالوا التراب على حاضره فتلك المساحة الشاسعة التي تركتها حضارة غابرة كان بها ثلاث مدارس فقط فالتعليم قبل مجيء السلطان قابوس بن سعيد بدا كحالة خصام بين الحكام وشعبهم، والأمية والفقر والتخلف والمرض والجهل والحياة القاسية والطرق اللانهائية الوعرة غير المعبدة كلها ترسم صورة سلطنة عمان قبل وصول هذا الشاب الأسمر الذي ترك البندقية وأمسك بأيدي خصومه ليكملوا معه مشوار النهضة فهي بلادهم أيضا .
أحببت سلطنة عمان والعمانيين، وسمعت من مقيمين هناك حكايات أسطورية عن طيبة هذا الشعب، ثم كانت مشاهداتي وملاحظاتي وما رأته عيناي دون تلوين أو زركشة أو تزيين أو تأهيل من أحد.
وكانت حيرتي كبيرة فالأمانة تقتضي أن أكتب عن النهضة والشعب والسلطان وأن اصف أحلام العمانيين وواقعهم الذي يقترب منها، ثم يضيف المزيد فيحققها العمانيون بفضل حكمة وخبرة وحنكة السلطان قابوس.
والأمانة تقتضي أن يستمر قلمي في العطاء والنقد وفضح صو الفساد في عالمنا العربي والكتابة عن السجون والمعتقلات والفشل والزعماء الذي أهدروا ثروات بلادهم وفتحوا أقبية تحت الأرض لالقاء معارضيهم.
لكن سلطنة عمان التي أحبها يريد مسؤولوها الاستمرار في حالة السلام الداخلي، وعدم ربطهم بأي صراع أو كتابات قاسية ضد زعيم يحتفظون معه بعلاقات طيبة.
وأتفاوض مع قلمي مرات كثيرة، وأطلب منه أن يهديء من ثورته، وأن يخفض من صوته، وأن يغض الطرف أحيانا عن جرائم أبطالها قادة وزعماء وكبار الكبار.
ويوافق قلمي لساعة أو بعض الساعة، ثم ينفجر جهازي العصبي مرة أخرى وأنا أتابع حقوق الانسان في عالمنا العربي وحقوق الحيوان في النرويج مثلا، فينكث قلمي وعده بالصمت أو بالهدوء أو بالكتابة غير المباشرة، فالأمر لا يتحمل صوتا خفيضا خافتا يخط على استحياء نهب أوطان، وسرقة شعوب، وبناء سجون ومعتقلات أكثر عددا من المدارس والجامعات ومعاهد البحث العلمي.
كيف تحب وتكره في نفس الوقت؟
كيف أكتب عن انبهاري بالتجربة العمانية، وأدعو كل عربي لزيارة هذا البلد ليشهد بنفسه مصداقية ما خطه قلمي، ثم أكتب عن غضبي المشتعل في صدري من جراء تعامل قيادات وزعامات وأجهزة استخبارات وأمن في وطننا العربي مع المواطن تعاملهم مع الرقيق في أشد لحظات السخرة مهانة؟ أعتذر للعمانيين عما سببته لهم من حرج، وسأظل أحمل لهم ولسلطانهم كل المحبة، لكنني مشحون بغضب في معارك أخرى من أجل نفس الانسان العربي الذي حرر السلطان قابوس بن سعيد أخاه العماني في ثورته المباركة.
ترى هل سمع السلطان قابوس بن سعيد نبضات قلب كانت تشد الرحال إليه من كل صوب وحدب باحثة عن إجابة لسؤال لم اخترق موضع القلق في صدور أحبابه؟
سألني وزير عربي إن كنت قد لاحظت غياب أخبار السلطان قابوس لبعض الوقت؟
انتقل القلق إلى بسرعة كبيرة، والحقيقة التي لم أخفها هي أنني أحمل لهذا القائد العربي الكبير محبة شديدة جعلتني أصدر كتابي السابع تحت عنوان ( سلطنة عمان .. جنة الخليج ) وكان الاهداء في المقدمة للعاهل العماني الكبير ولا أدري حتى الآن إن كان قد قرأه أم لا .
و( سلطنة عمان .. جنة الخليج ) هو عنوان القسم الخاص في موقعنا على الانترنيت ناشرا فيه مقالاتي عن هذا البلد العربي الطيب والتي أنشرها أيضا في ( طائر الشمال ) .
وتابعت الأخبار، وطرحت نفس السؤال بطريقة غير مباشرة خشية أن يتوسع السؤال ويأتي بعكس حسن النية التي لفته برفق شديد.
وكان أن شاهدت صورة الاستقبال الكريم من السلطان قابوس لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
كل القادة الذين يحملون مشاريع اصلاحية تنتابهم بين الحين والآخر فترة من الارهاق والتعب والرغبة الشديدة في الراحة.
وكل أصحاب الأحلام الكبرى يكتفون بعد عدة سنوات قد تطول أو تقصر باختصار الأحلام فهم يوزعونها على فروع متدرجة ترتبط بالقصر، ثم يبدأ التصارع والتصادم حتى لو كان حسن النية متوافرا مع كل الأطراف.
سلطنة عمان حالة خاصة من الحلم المستمر الذي كلما تحقق جزء منه، يكتشف السلطان قابوس أن فكره استدعي فورا أحلاما جديدة ليشغل بها خططه الخمسية وتوجيهاته وأوامره ليصنع طريقا طويلا يمتد من عام 1970 إلى تلك اللحظات التي انتاب الكثيرين القلق، كأنه يريد أن يختبر أحباب السلطان على كثرتهم.
المرة الأولى التي كتبت فيها عن سلطنة عمان كانت عام 1986، أي منذ أكثر من عشرين عاما، وظللت أتابع خطوات النهضة من بعيد دون أن أقترب أو أقوم بزيارة السلطنة لأكثر من عشر سنوات.
ثم جاءت مصادفة عندما قمت بزيارتي اليتيمة لقلب العروبة النابض بدعوة من الدكتور محمد سلمان وزير الاعلام السوري آنئذ. وكان هناك مؤتمر لوزراء اعلام الدول العربية في نفس الفندق بعاصمة الأمويين.
قبيل مغادرتي دمشق تركت لموظف الاستقبال كتابي الرابع وهو تحت عنوان ( كتابات ضد الصمت ) وعليه اهداء لوزير الاعلام العماني الأستاذ عبد العزيز الرواس.
لم يدر بذهني قط أنني سأتلقى دعوة لزيارة مسقط فكتاباتي الحادة والمباشرة قد تسبب حرجا شديدا للمضيفين العمانيين.
بعد فترة تلقيت الدعوة الكريمة، وظننتها في الواقع زيارة عادية أقارن فيها ما كتبته عن سلطنة عمان لعشر سنوات والحقيقة الماثلة أمامي.
وكانت المفاجأة ..
بعض المدن تسقط في غرامها وأنت بعيد.
وبعض المدن تقوم بزيارتها مرة واحدة في العمر، فالعالم مليء بأماكن تشد إليها الرحال.
وبعض المدن توردك الهوى منذ اللحظة التي تطأ فيها قدماك مطارها، ويستقبلك أهلها، وكأنك تعرفهم منذ اللازمن!
شعب خجول بكر يخشى أن تلتقي عيناك بمضيفك لئلا يحرجك كرمه.
تواضع جم كأن العماني يتحدث همسا عن نهضته المباركة، لكنه في الواقع يخفي فرحة في الصدر أقرب إلى الاحتفال بعيد مستمر منذ عام سبعين.
لم أصدق المشهد للوهلة الأولى فهذا بلد كان المؤرخون يعرفون ماضيه جيدا، لكنهم أهالوا التراب على حاضره فتلك المساحة الشاسعة التي تركتها حضارة غابرة كان بها ثلاث مدارس فقط فالتعليم قبل مجيء السلطان قابوس بن سعيد بدا كحالة خصام بين الحكام وشعبهم، والأمية والفقر والتخلف والمرض والجهل والحياة القاسية والطرق اللانهائية الوعرة غير المعبدة كلها ترسم صورة سلطنة عمان قبل وصول هذا الشاب الأسمر الذي ترك البندقية وأمسك بأيدي خصومه ليكملوا معه مشوار النهضة فهي بلادهم أيضا .
أحببت سلطنة عمان والعمانيين، وسمعت من مقيمين هناك حكايات أسطورية عن طيبة هذا الشعب، ثم كانت مشاهداتي وملاحظاتي وما رأته عيناي دون تلوين أو زركشة أو تزيين أو تأهيل من أحد.
وكانت حيرتي كبيرة فالأمانة تقتضي أن أكتب عن النهضة والشعب والسلطان وأن اصف أحلام العمانيين وواقعهم الذي يقترب منها، ثم يضيف المزيد فيحققها العمانيون بفضل حكمة وخبرة وحنكة السلطان قابوس.
والأمانة تقتضي أن يستمر قلمي في العطاء والنقد وفضح صو الفساد في عالمنا العربي والكتابة عن السجون والمعتقلات والفشل والزعماء الذي أهدروا ثروات بلادهم وفتحوا أقبية تحت الأرض لالقاء معارضيهم.
لكن سلطنة عمان التي أحبها يريد مسؤولوها الاستمرار في حالة السلام الداخلي، وعدم ربطهم بأي صراع أو كتابات قاسية ضد زعيم يحتفظون معه بعلاقات طيبة.
وأتفاوض مع قلمي مرات كثيرة، وأطلب منه أن يهديء من ثورته، وأن يخفض من صوته، وأن يغض الطرف أحيانا عن جرائم أبطالها قادة وزعماء وكبار الكبار.
ويوافق قلمي لساعة أو بعض الساعة، ثم ينفجر جهازي العصبي مرة أخرى وأنا أتابع حقوق الانسان في عالمنا العربي وحقوق الحيوان في النرويج مثلا، فينكث قلمي وعده بالصمت أو بالهدوء أو بالكتابة غير المباشرة، فالأمر لا يتحمل صوتا خفيضا خافتا يخط على استحياء نهب أوطان، وسرقة شعوب، وبناء سجون ومعتقلات أكثر عددا من المدارس والجامعات ومعاهد البحث العلمي.
كيف تحب وتكره في نفس الوقت؟
كيف أكتب عن انبهاري بالتجربة العمانية، وأدعو كل عربي لزيارة هذا البلد ليشهد بنفسه مصداقية ما خطه قلمي، ثم أكتب عن غضبي المشتعل في صدري من جراء تعامل قيادات وزعامات وأجهزة استخبارات وأمن في وطننا العربي مع المواطن تعاملهم مع الرقيق في أشد لحظات السخرة مهانة؟ أعتذر للعمانيين عما سببته لهم من حرج، وسأظل أحمل لهم ولسلطانهم كل المحبة، لكنني مشحون بغضب في معارك أخرى من أجل نفس الانسان العربي الذي حرر السلطان قابوس بن سعيد أخاه العماني في ثورته المباركة.