2009/09/12

إنها سلطنة عمان أيها الإعصـار!





أوسلو في 24 يونيو 2007
كنت قبل أنْ يُظهر ( جونو ) غضبه بعدة أيام في زيارة لجنة الخليج. ذهني كان مشغولا بموضوع عن ( رجال حول السلطان)، فعبقرية القيادة ليست فقط التخطيط والإدارة والحسم والمشروع الوطني واستخراج قوى الابداع من الشعب، لكن أيضا اكتشاف الكفاءات ثم وضعها في مكانها الصحيح.
كان الإعصار يُكَشّر عن أنيابه، فهو يستعد لضرب سواحل بلدٍ يحتفل أبناؤه كلّ يوم بقيمة نهضتهم، ويحصون انجازاتهم، ويحتضنون مكتسباتهم كما يحتضن الطفلُ أغلى مالديه.
وكنت أنصِتْ بشغفٍ لرجال حول السلطان يؤدون أعمالَهم كأن العطاءَ للوطن واحدةٌ من مناسك الدين وفروض الطاعة.
وكان ( جونو ) ينتظر مغادرتي ليُخرج لي لسانه ويقول: انظر ماذا سأفعل في جنة الخليج، وسأُرْبِك أهلَها، وأحطّم ما يعتزون به، وأختبر قوةَ التماسك والتلاحم والتآزر بين العُمانيين!
مستشار السلطان قابوس بن سعيد للشؤون الثقافية يتحدث لي كأنه يقتطف من مسيرة الأربعين عاما وقراءاته وتأملاته وفلسفته في الحياة، ولا أريد أن أغادر مكتبه فمتعةُ الإنصاتِ هنا تجميعٌ لخبرات رجلٍ منحته الحياةُ كثيرا من أسرارها.يُحَدّثك في الدين كأن مفاتيح التفسير كلها بين لسانه ويستخرج الأكثر استنارة وعقلانية. يتحسر على وضع الأمة من تشدّد وتزمّت، لكنه يملك أملا مشرقا في مستقبل شارك في صنع ماضيه وحاضره مع السلطان قابوس بن سعيد وكان موضع ثقته ومحبته وصداقته.
الإعصار جونو يُشَمّر عن ساعديه، ولكن لم تصل بعدُ أنباءٌ عنه فهو في طور الاعداد قبل تحديد الهدف.
وزير الإعلام ابن الوزارة، وإذا جلستَ أمامه فسينتقل إليك نوع عجيب من السلام الداخلي تشعر معه أن الوزير حمد بن محمد الراشدي مُلِمٌ بكل صغيرة وكبيرة في فكر السلطان قابوس، ويرى الأمورَ كلَّها من منظور قوة تناغمها مع النهضة المباركة، فإنْ وافقتها فسيدافع عنها دفاع الفرسان النبلاء.
مع وزير الإعلام تشعر أن الدنيا بخير، وأن طيبة العُمانيين قد تكون أيضا في الحسم والحزم التي لا جدال حولها إنْ تعلق الأمرُ بقضايا
الوطن.
أتجول في مسقط، ويسألني أخي الشيخ صالح الهلالي عما أريد، فالعُمانيون ليسوا مضيفيك إنما هم ضيوفٌ لَدَيّك. أقول له: رحلة بحرية أشاهد فيها الدلافينَ وأتأمل مسقط من داخل البحر، واستذكر تاريخ بلدٍ كانت أشرعة أسطوله البحري في زمن ما لا قِبَل لقوةٍ أخرى بها.
اللقاء مع وكيل وزارة الإعلام الشيخ عبد الله بن شوين الحوسني حالة خاصة. مستمع جيد، ومتابع لآراء وفكر ضيفه. مثقف ومحلل بارع لأوضاع المنطقة، لكنه واقعي ولا يرى ضرورة في تصادم الصحفي والاعلامي مع آخرين، فهناك طرق أكثر هدوءا للوصول إلى الهدف.مضيف عُماني من الدرجة الممتازة، وفي الاحتفالات وعندما يكون هناك عددٌ كبير من الاعلامين يسهر على راحة ضيوفه بنفسه، بل يقوم مساءً بزيارتهم في الفندق والجلوس ساعات طويلة بتواضع جَمّ يستمع أكثر مما يتحدث، وقد يخوض الضيوفُ في موضوعاتٍ ليست من اهتمامه لكنه يظل معهم حتى ينصرف آخرُهم.
وكيل وزارة التراث والثقافة حمد بن هلال المعمري دبلوماسي سابق يعمل في مجال الثقافة ويتابع السياسة ويتحدث في التسامح الديني ومتابع للشأن الاعلامي وعينه على استمرار مسقط عاصمة للثقافة العربية بصفة دائمة كما كانت عام 2006.
مدير عام الترويج السياحي سالم بن عدي المعمري يجالسك بعض الوقت فتقع في غرام سلطنة عمان، وعندما يضع أمامك أمانيه وأحلامه وارتباطها بالواقعية تكتشف أن كلمة الرجل المناسب في المكان المناسب هي أولى ملامح العبقرية النهضوية للسلطان قابوس في اختيار رجاله.
أقوم بتوديع مسقط وفي نفسي حزنٌ شديد، التقط قبيل مغادرتي بساعات صوراً لعاصمة الخليج. وبعد أيام يضرب الإعصارُ بكل قوته سواحل هذا البلد الجميل، ويتوغل كيلومترات، ويعصف بقرى وجسور وسيارات. لكن العُمانيين كانوا أكبر من الصدمة، وأشد صلابة من اندفاعة جونو، فتكاتفوا، وتحوّلت الدولة كلها إلى يد واحدة، ولم تتردد جهةٌ واحدة في التعاون بحجة الامكانات أو الميزانية حتى أنه في مكان ناءٍ كانت الشرطة تُحضر الطعامَ من المطاعم والفنادق للسكان اللاجئين في أماكن آمنة. كان اختباراً قاسيا، وفقدت السلطنةُ أرواحَ بضعة عشرات من أهلها، ولكن ما بين انحسار آخر نقطة مياه والبدء في اعادة الإعمار لم يتجاوز ساعتين، فالعُمانيون أهلُ بَحْرٍ يعرفون أنَّ غضَبه في أعاصيره ورياحه وموّجِه العاتي وفيضاناته وتسوناماته وجونومه لا تؤثر فيهم.
من حق السلطان قابوس أن يفخر الآن بردود أفعال أبناء شعبه سواء
لتماسكهم وتراحمهم أو للدفاع الشرس عن نهضتهم وعُمرانهم وجمال بلدهم.
أيام الإعصار ملحمةُ بطولة وانسانية من جانب العُمانيين ولو نطق جونو حديثاً فصيحاً لقال لهم: لقد أرهقتموني، فاكتشفتُ أنَّ ضعفي في قوتِكم، وأنَّ غضبي لم يكن بالنسبة لكم أكثر من تجربةٍ لقوةِ إيمانِكم، فنجحتُكم، وتراجعْتُ أنا. كثيرون قاموا بتعزية العُمانيين، لكن الحقيقة أنهم يستحقون التهنئة. وسلامُ اللّهِ علىَ سلطنة عُمان.

ليست هناك تعليقات: