2009/10/04

المجهول وأنفلونزا الخنازير و .. التشويه المتعمد!


عالم الانترنيت حالة فريدة من نوعها، ويظن كل من يسبح في هذه الشبكة العنكبوتية أنه يملك العالم تحت أنامله، وأن كي بورده قادر على منازلة الدنيا كلها، ثم اغلاق الشاشة الصغيرة، والخلود إلى النوم دون أن يصيبه جرح طفيف أو أذى لا تراه العين المجردة.

شخص واحد ينتقل برشاقة عجيبة بين المنتديات، ويكتب متوعدا سلطنة عمان، بلده، بالويل والثبور، ويخلط بين الغضب عليها وبين حالة من الحزن أصابته إثر وفاة ولده.

أما الحزن فأنا أتفهمه كثيرا، ومن حق من رحل عزيز عليه أن يبكيه ما بقي له من عمر، ولكن ارتداء نظارة سوداء لاعادة مشاهدة بلده من خلالها لن يجعل الدموع تتحالف مع العقل في منظومة زائفة، فأكثر القضايا العادلة خسرها عارضوها لأنهم وضعوا جل اهتماماتهم في فرعيات جعلت الأبصار لا تشاهد القضية الأم.

يقول أبو عماد في مواقعه الكثيرة، والتي جذبت تسعين ردا في في موقع صحيفة ( وطن ) الالكترونية الصادرة في الولايات المتحدة بأن سلطنة عمان مجهولة، وأنه عندما كان طالبا في القاهرة تفاجأ بجهل المصريين العاديين بموقع بلده على الخريطة، وتناسى أن الشهرة لها ظروف خاصة، وأن المثقف المصري لا يعرف أن أفضل خط حديدي للقطارات يربط بين الأرجنتين وتشيلي، وأنه لا يدري شيئا عن محتويات مكتبة بوردرس، ولا يعرف ما فعله كريستوف كولومبوس في علاقته بالسكان الأصليين لدى وصول مراكبه إلى جزر هاييتي!

والمثقف العربي، وليس فقط المواطن نصف الأمي، لم يسمع عن بنين وبيرو ولاتفيا، بل إن قطر لديها شهرة أكثر من أوكرانيا وسلاحها النووي.

إعادة السلطان قابوس بلده إلى خارطة العالم لا تعني أن تسويق السلطنة سياحيا وإعلاميا كان ينبغي أن ينطلق بسرعة البرق ليخطف أبصار المشاهدين، فسياسة السلطنة ليست أكثر من الهمس ولو كان العمانيون يتحدثون عن مشاريع عملاقة، حتى لو أرجأت مسقط العملة الخليجية الموحدة، أو انسحبت من شركة طيران خليجية، فهي لا تقيم الدنيا وفضائياتها للدفاع عن وجهة نظرها.

لقد أخطأ صاحبنا عندما التف حول النظام ونهضة بلده من أجل عرض قضية بدا مع الزمن أنه يحارب في فرعيات بعيدا عن روح ابنه، رحمه الله.

أما الادعاء بأن سلطنة عمان عرفها العالم من خلال أولويتها في الهزيمة أمام فيروس أنفلونزا الخنازير فهذا ليس صحيحا بالمرة، وهو طعن في وزارة الصحة غير مبرر للانتقام من فقدان عزيز لديه، ثم إن الشفافية سمة عمانية، وما أسهل أن تدعي سلطنة عمان أن المصابين فيها ليسوا أكثر من ثمانية، عاد منهم سبعة إلى منازلهم بعد الشفاء!

وأمريكا والمكسيك وإسبانيا وبريطانيا لا تخجل أنظمتها من انتشار المرض، وأنا أزعم أن صاحبنا أخطأ هنا عندما حاول تشويه سمعة النظام العماني فاختار طريقين لا علاقة لهما بصلب الموضوع، الجهل بسلطنة عمان، وانتشار أنفلونزا الخنازير.

سيقول قائل: العمانيون أدرى بشعاب سلطنتهم، وأن الكاتب عماني يرصد ظواهر يراها بنفسه ولا يشاهدها غير عماني يراقبها من آلاف الأميال، ولكن ماذا عن شهود العيان الذين وصفوا المشهد العماني من كل زواياه، وكلهم، تقريبا، أجمعوا على أنه أفضل مشهد عربي لنهضة بدأت من تحت الصفر.

أنا لا أتحدث فقط عن إعلاميين زاروا السلطنة، ولكن عن سائحين أوروبيين، وعن أناس عاشوا بين شعبها ولا ينتمي أي منهم لثقافة الفزع أو الخوف من فقدان لقمة العيش، وكان وصفهم للمشهد العماني في عهد السلطان قابوس لا يختلف عن وصف مشهد أجمل بقعة عربية في المنطقة، وأفضل أنظمة التطور والنهضة في الخليج الدافيء.

عام واحد أمامنا، ونكتب بإذن الله كشف حساب لنهضة عمرها أربعة عقود، وهي وسام شرف على جبين كل عماني، وهي رسالة حب لباعث النهضة العمانية السلطان قابوس بن سعيد.

لماذا لا يترك لنا الباحثون عن السلبيات بلدا عربيا أو اثنين أو أكثر لعلنا نحتفظ ببعض التفاؤل بأن عالمنا العربي لا يزال بخير؟

أستطيع أن أكتب عن مئات الايجابيات مقابل حفنة صغيرة من السلبيات في مسيرة النهضة العمانية، ويكفي السلطنة فخرا أن مرض الطائفية والارهاب والتشدد لم يعرف طريقها إليها، وأن كل العمليات المناهضة للنفس البشرية والأبرياء في كل دول الجوار لم يكن من بين منفذيها مواطن عماني واحد ..

وأخيرا فإن كلمة حق ينبغي أن تقال عن وزارة الإعلام العمانية فهي لم تقم بتسويق السلطنة إلا بقدر الانجازات، وكان من الممكن مثلا أن تقوم الوزارة في السنوات الماضية بدعوة آلاف من الاعلاميين في كل المناسبات للكتابة عن النهضة حتى يجف القلم، ولكن السياسة الحكيمة التي اتبعتها الوزارة كانت متناغمة مع التطور، فما أسهل الصياح، كما تفعل دول أخرى لم تحقق إلا الفشل فيحوله الإعلام إلى عبقرية ونجاح وانجازات، وظل الهدوء منجسما مع فكر القائد، وفي كل عام تزداد جرعة التعريف بالسطنة بقدر المكاسب.

ليست هناك تعليقات: