
في كل عدد ترهقني صفحات المجلة، فهي ليست عملية كتابة فقط، إنما هي حفر في الأعماق، وتفتيش في المناطق المحرمة، وتحريض ضد السلطات، وانفجار في جروح الوطن العربي الكبير المتناثرة في كل مكان، وتحريك التابو من موقعه، واستثارة ذئاب لا ترحم إن تعلق الأمر بصولجان العرش ومكانة الزعيم، ولمس المحظورات الدينية والسياسية والاجتماعية، والدعوة إلى التمرد، والبحث عن الحرية والجمال والخير.
فإذا جاء وقت الحديث عن سلطنة عمان تتنازعني رغبتان شديدتا العمق والقوة: أما الأولى فهي الصمت عن التغني بجزء عزيز من الوطن الكبير خشية اساءة الفهم، وظن الآخرين أن لمسقط يدا أو ايحاءات لقلمي، وهذا ليس صحيحا بالمرة، وأما الثانية فهي أمانة السلطة الرابعة في نقل الحقائق كما هي إلى القاريء، خاصة وأنني أجد النفس بحاجة ماسة وملحة لصفحة من الراحة يحلق فيها طائر الشمال فوق بلد عربي آمن ومسالم، يعمل دون ضجيج، ولا تناهض حكومته شعبه، وتحرص قيادته على كل ريال في خزينة الدولة، ويسرع للحاق بركب القرن الواحد والعشرين، وينعم بسلام اجتماعي وسياسي وديني.
وهنا تزداد حيرتي فالعمانيون يرفضون رفضا قاطعا الزج ببلدهم أو الاقتراب باسمه من أي تمرد أو عصيان أو ثورة أو معركة مع أي سلطة عربية لأنهم بكل بساطة مشغولون بالبناء، ومهمومون بالسلام الاجتماعي.
وفي كل مرة تنتصر رغبتي الأكثر عمقا وهي أمانة القلم وشرفه، والحديث عن سلطنة عمان لعل حزن النفس وغضبها في صفحات المجلة يهدأ قليلا، وتطل اشراقة أمل في صباح جميل، ويبدو ولو جزء ضئيل جدا من التفاؤل بأن إرادة عربية لصنع المستقبل قد تخرج من رحم التلاحم بين قائد وشعبه في ملحمة عجيبة ومعجزة في زمن لم تعد فيه المعجزات تظهر في عالمنا الثالث.
إنها الصفحة الأخيرة التي أسند رأسي عندها، وأتابع بشغف الأخبار المحلية في جنة الخليج، وأتمنى من كل زعيم عربي أن يقرأها على الانترنيت قبل انبلاج فجر يوم جديد لعله يكتشف أن الزعامة الحقيقية تنبع من أرض الوطن ولا تستطيع قوة في الأرض ولو كانت البيت الأبيض أو الفضائيات الرسمية مجتمعة أو احتفال عرش الطاووس العربي أن تصنع زعيما وقائدا ونهضة ووعيا شعبيا وسلاما وأمنا وخيرا.
الافتتاح الرسمي لجامعة صحار وهي أول جامعة خاصة تنشأ في سلطنة عمان كنتيجة طبيعية للنهضة الصناعية في منطقة صحار مثل مشروع الميناء ومصفاة النفط وغيرها..
للمرة الثامنة تحتفل سلطنة عمان بيوم البيئة, وتنطلق الفعاليات في كل أرجاء البلاد, ونظمت محافظة ظفار ثلاث حملات في زراعة أشجار القرم, وفي تنظيف شواطيء ولاية شليم وجزر الحانيات, وتنظيف الشعاب المرجانية بولاية خصب.
وتنظم في سلطنة عمان أعمال مؤتمر العلاج الطبيعي وسيكون الموضوع الرئيس مشاكل وأمراض واصابات العمود الفقري. وتصدر وزارة الصحة مجموعة من الكتب وهي رسائل صحية للمجتمع, وانتهت المديرية العامة للتشجير والحدائق من المرحلة الثانية لاضفاء الطابع الجمالي على العاصمة. هناك لجنة نشيطة مهمتها الاشراف على المحميات الطبيعية وصون الأحياء والحياة الفطرية وتقديم الاقتراحات الخاصة .
أينما وليت وجهك في سلطنة عمان تجد شعبا عاشقا لبلده، محافظا عليها، ومبينا الوجه الجميل والمشرق لها.
شرطة عمان السلطانية تتلقى دروسا ويحضر أفرادها ندوات تتعلق بالمواطنة والحقوق وقانون الأحوال المدنية والتعرف على جوانب القوانين الخاصة بالطلاق والوفيات والبطاقة الشخصية وأحوال الوافدين وطرق الابلاغ عن وقائع والوثائق المطلوبة.
والسلطة في سلطنة عمان تبدو كأنها فكرت في كل شيء، ومع ذلك فالعمانيون أقل الناس تحدثا ومديحا وتزكية لأنفسهم، بل قد يصل الأمر إلى استقبال العمانيين لاعلاميين وقانونيين وأطباء وخبراء في شؤون مختلفة، وفي سلطنة عمان أفضل منهم بكثير، لكن التواضع العماني الجم يجعل الزائر يظن أنه جاء ليُعلمهم كل شيء فيعود إلى وطنه وقد تعلم من العمانيين بقدر ما أعطاهم من علمه وخبرته.
في سلطنة عمان لا يستطيع وزير أو مسؤول كبير أن يقدم مشروعا وهميا، أو يقول للسلطان قابوس بأنه أنجز مشروعا رائعا بدون أن يقدم اثباتات وقرائن ووثائق ومشاهدات واضحة لا تقبل الشك، حتى عملية رصف الطرق الداخلية في احدى الولايات لابد أن يتم تقديم المواصفات الفنية السليمة, وتحديد طول الطريق، والمنازل التي تم الاضرار بها, وكيفية التعويض أو الصيانة أو النقل.
وتوجيهات السلطان قابوس لا تحتمل التأويل أو المماطلة كما حدث مع زعيم عربي قال منذ خمسة أعوام بأن رئيس الوزراء قام بتضليله في بيانات غير صحيحة.
حتى المسابقات التي تجرى في أنحاء عمان تتميز بالجد والاستفادة وحث الشعب على العطاء, فوزارة الزراعة والثروة السمكية أجرت مسابقة كبيرة تحت شعار ( نحو تنمية زراعية وحيوانية وسمكية مستدامة ) واشتركت فيها ولايات السلطنة كلها.
يعلم الجميع في سلطنة عمان بأن الوطنية ليست شعارات يتم رفعها في اعلانات ليقرأها الزعيم، لكنها عملية متشابكة، وتكافل اجتماعي، وتقاسم هموم الوطن, لذا قامت شركة الغاز الطبيعي في تنمية قطاعات مختلفة من المجتمع وفي مقدمتها قطاع التربية والتعليم بعدة ملايين من أرباحها لتضرب المثل لكل الشركات الخاصة والمصانع والأثرياء بأن تنمية المجتمع ليست فقط توجيهات من القصر السلطاني، لكنها شراكة اجتماعية لكل العُمانيين على قدم المساواة.
والصراحة في سلطنة عمان تحقق نتائج ملموسة على كل الأصعدة، فعندما انتشر مرض البروسيلا بين الحيوانات وسهل انتقاله إلى الانسان عن طريق الحليب ومشتقاته، تحولت الدولة إلى خلية نحل للتحصين والتوعية , واتجهت فرق كاملة إلى جبال ووديان وأماكن نائية لتحصين الحيوانات مع مواكبة حملة اعلامية لتعريف المواطن العماني بالاجراءات والخطورة والنصائح والارشادات.
البحوث والدراسات التي يقدمها الطلاب لا تذهب سُدى لكن هناك لجان تشرف عليها، وتأخذ منها ما يحقق الفوائد للمجتمع.
أعمال المؤتمر الجراحي الخامس للمستحدثات الطبية كان فرصة لتعليم وتدريب الأطباء العمانيين على استخدام التقنيات الحديثة.
تلك لقطات من مشاهد مختلفة تجري مثلها العشرات في كل يوم في جميع أنحاء سلطنة عمان.
إنها نتائج طبيعية للثورة التي قام بها السلطان قابوس بن سعيد وتكاتف معه العمانيون لأكثر من ثلاثة عقود, وخرج البلد من مئة عنق زجاجة إلى أن اصبح نموذجا يحتذى به, وموضع أمان، ومكانا ساحرا للسياحة، ووطنا للجميع دون تفرقة بين مذهب وآخر، وقدرة عجيبة على التسامح الفكري والمذهبي حتى أن الزائر لا يعرف الفروقات بين الناس أو بين المساجد رغم التدين الفطري السليم لدى العمانيين.
ألسنا محقين في اهداء سلطنة عمان الصفحة الأخيرة لتعريف القاريء بجنة الخليج؟
إنها دعوة مفتوحة لكل عاشق للوطن العربي وحزين لأحواله واضطراباته أن يقوم بزيارة سلطنة عمان وسيكتشف أن العرب بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق