2009/09/09

سلطنة عمان تدخل الألفية الثالثة




أوسلو في 3 يناير 2000
كنت دائما أبحث عن نظام عربي يجمع ما بين السلطة بكل مقدراتها والشورى وما تحمله من حماية الدولة ومشاركة ذوى الاختصاص والكفاءات، نظام عربي يغوص زعيمه في أعماق بلده ليستخلص ويستخرج كنوزا من الكفاءة والمعرفة فيصنع بها المعجزات في سباق مع الزمن لتعويض فترة بيات شتوي طالت أكثر من اللازم!
كنت أبحث عن زعيم عربي قادر علي الإفصاح عن أحلامه بعيدا عن خطب الثوار النارية، وأوهام القادة التي تصنعها لهم أقلام كتبة السلطة فلا هي تقترب من الحقيقة ولا هي تمس وجدان الشعب.
وكنت أبحث عن زعيم عربي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة بتوجيهات ملزمة ورؤى واضحة دون المرور علي عشرات المستشارين أو البحث في مانشتات الصحف عن نشوة تخطها أقلام متدربة علي بث مشاعر العظمة في قلوب القادة،
كنت أبحث عن زعيم لا يكترث لقصائد المديح، ولا يسجن نفسه في برج عاجي يرى منه شعبه صغيرا جدا فلا يقترب منه، ولا يسمح لأحد أن يصعد إليه حتي لا يراه كبيرا. وقد حقق السلطان قابوس بن سعيد المعادلة التي ظننت ردحا طويلا من الزمن أبحث عنها، وأحلم بتعميمها في كل بلد عربي يعاني شعبه من بعد المسافة بينه وبين زعيمه من جراء وجود سياج سميك من المستشارين والخبراء والسياسيين وأعضاء المجالس الشعبية والنيابية وصحافة السلطة وسلطة الصحافة.
السلطان قابوس يتابع كل صغيرة وكبيرة من الصحة العامة والتدريس ويناء المستشفيات ورصف الطرق والرقابة علي الأغذية واستيراد الأدوية وبرامج التلفزيون ووضع المرأة وتقارير السفارات العمانية وحاجات المسنين وقضايا المعوقين ومرتبات العاملين وتطور الفنون والمعارض ومشاكل المواطنين و... مئات من الأشياء الأخرى التي يأنف من الخوض في تفاصيلها زعماء في العالم العربي يرون أن مهمتهم تنحصر في السياسة الخارجية وعقد اجتماعات مع ذوى الشأن واستقبال الزعماء في المطار.
وهناك في وطننا العربي من ترك مهمة الحكم لمجالس نيابية يتشاجر أعضاؤها تحت قبة البرلمان، وتتعطل مصالح الجماهير، وتتحول الدولة إلي شبه مشلولة.

بلد عربي واحد اختار نظاما خاصا به يقوم علي المظاهرات والتهليل وعقد مؤتمرات لقراءة فكر القائد العبقري، ولو كان السلطان قابوس بن سعيد يحكم هذا البلد لصنع جنة علي الأرض، وشعبا من أسعد شعوب العالم. الفساد سوس ينخر في عظام معظم دول العالم الثالث، وإهدار المال العام سمة يتمتع بها عالمنا المتخلف، أما سلطنة عمان فقد حماها الله من هذا المرض بفضل قائدها السلطان قابوس بن سعيد ونظام حكمه وديوان المحاسبة الذى لا يفرق بين الناس، حتي لو كان البلاط السلطاني.
واستطاعت سلطنة عمان بالفعل خلق معجزة في الخليج العربي بدون أن تصبح أول أو ثاني مصدر للبترول في العالم.
والسلطان قابوس بن سعيد أكبر من أن ينشغل بقضايا الحدود أو يبحث عن قطعة أرض يضيفها إلي بلده، أو ينفق من أموال بلده علي مشروعات لم تمر علي أكثر المتخصصين كفاءة وخبرة وعلما. والغريب أن هذا البلد الذى يسابق الزمن ينتهي العاملون فيه من مشروعاتهم كلها، تقريبا، قبل الموعد المحدد، حتي مشروع تشغيل مصنع تسييل الغاز الطبيعي الذى تكلف اثنين ونصف المليار دولار، فقد بدأ فعلا تصدير الغاز قبل موعده بوقت طويل، فسلطنة عمان لا تنتظر حتي يتم الانتهاء من أى مشروع، فالقضية الرئيسية هي خروج هذا البلد من قرن مضي لم تشاهد فيه عمان غير ثلاثين عاما، أما ما قبل ذلك بمئات الأعوام فقد كانت علي هامش التاريخ لا يذكرها أحد، ولا يتعرف عليها دارس التاريخ والجغرافيا، وكأنها سقطت سهوا من خريطة المنطقة.
المعجزة العمانية لم تكن مجازفة، إنما هي عبقرية القيادة في الجمع بين توجيهات ملزمة وبين شعب أصبح كل من فيه مستشارا للسلطان علي قارعة الطريق يبثه همومه ويؤكد له صدق التقارير التي تسلمها أو يشير إلي ما فيها من زيف وأكاذيب، هذا إذا تجرأ مسؤول واحد وقرر أن ينقل للسلطان صورة غير حقيقية عما يحدث في بلده.
والسلطان قابوس بن سعيد يصدر توجيهات يلتزم بها الجميع، ولن تستطيع جماعة دينية أن ترفض تعيين سفيرة لسلطنة عمان في هولندا، ولن يرفض المجلس الاستشاري حقوق المرأة، ولن يقدم أحدهم تقريرا للسلطان عن أرباح شركات خاسرة.
إن أى وزير أو مسؤول أو رئيس بلدية أو حاكم ولاية، معرض لأن يقف خجلا أمام السلطان قابوس بن سعيد إن قصر في عمله، أو قام بإهدار للمال العام، أو تولي تعيين شلة من المعارف والأقارب في موطن عمله. والسلطان قابوس يتحدث عن السياحة فيكتشف كل المسؤولين أهمية الحركة السياحية ويدعم القطاع الخاص فتتفجر طاقات خلاقة تجعل سلطنة عمان مركزا هاما للتصنيع والتصدير، ويتحدث عن حقوق
المواطن فيتحول رجال الأمن إلي خدمة مواطنيهم طواعية.
وتعيش سلطنة عمان أخصب فترات تاريخها القديم والجديد علي الإطلاق، وهي الدولة العربية المرشحة لأن تصبح سويسرا العالم العربي. وعندما ينضب البترول في بعض الدول العربية وتتراجع السياحة في دول أخرى بسبب الاستغلال وسوء التخطيط وارتفاع الأسعار، فإن سلطنة عمان تستعد لتصبح البلد العربي الوحيد الخالي تماما من أى أزمات أو مشاكل!

ليست هناك تعليقات: