2009/09/09

أيها الإعلاميون الضيوف: لا تفضوا بكارة العمانيين!



أوسلو في 14 فبراير 2002
لم يعد عالم الصحافة والإعلام كما كان في زمن مر على الأمة مرور السحاب، فالضغوط الاقتصادية والسياسية والنفسية والسلطوية تمكنت من صناعة الإعلامي الجديد الذي لا يدري المرء عندما يحدثه إن كان يواجه رجل أعمال أم يتحدث مع ممثل سينمائي أو ربما لا يجد فارقا كبيرا بين الإعلامي وتاجر الشنطة أو العملة الشاطر أو حتى الحاج متولي!
وكانت الساحة الإعلامية في العقدين الماضيين قد شهدت صعودا كبيرا لنوع جديد تماما من” الإعلامي المهرجاني” وهو الذي يعيش على المؤتمرات والمهرجانات الفنية والمسرحية والثقافية والسينمائية، فتجده وجها مألوفا لدى منظمي كل هذه المهرجانات منفردة أو مجتمعة.
لم يعد عالم الصحافة والإعلام كما كان في زمن مر على الأمة مرور السحاب، فالضغوط الاقتصادية والسياسية والنفسية والسلطوية تمكنت من صناعة الإعلامي الجديد الذي لا يدري المرء عندما يحدثه إن كان يواجه رجل أعمال أم يتحدث مع ممثل سينمائي أو ربما لا يجد فارقا كبيرا بين الإعلامي وتاجر الشنطة أو العملة الشاطر أو حتى الحاج متولي!
وكانت الساحة الإعلامية في العقدين الماضيين قد شهدت صعودا كبيرا لنوع جديد تماما من” الإعلامي المهرجاني” وهو الذي يعيش على المؤتمرات والمهرجانات الفنية والمسرحية والثقافية والسينمائية، فتجده وجها مألوفا لدى منظمي كل هذه المهرجانات منفردة أو مجتمعة.
وهو أيضا الصحفي الذي يشم رائحة المال ويسمع رنين معدنه ويعرف من أين تؤكل الكتف.
في الصحافة وفي الإعلام بوجه عام ،لا يخطئ المشاهد رؤية الوجوه العاطلة مع وجود عشرات من الفضائيات ومئات من الصحف اليومية ومثلها من مجلات ومطبوعات ودوريات وفصليات وتهريجيات، حتى بدت البرامج الحوارية مرتعا لأنصاف الأميين وبقايا الطالبانيين وخريجي مدرسة الفهلوة الإعلامية.
الآن مع كثافة هذا الكم الهائل من المدعوين للمهرجانات العربية تم رفع الحياء نهائيا وأصبح بإمكان المراسل والصحفي والإعلامي متابعة بعض الصحف فور صدورها وتلخيص ما تكتبه أو نقل فقرات منه وإرسالها
قمة دول مجلس التعاون الخليجي أو معارض فنية أو مناسبات وطنية أخرى تتولى وزارة الإعلام توجيه الدعوات لصحفيين وإعلاميين ومراسلين وعاملين في وكالات أنباء، لكنها لا تغض الطرف مرة واحدة عن أصدقاء البلد أو حتى من وقفوا مع سلطنة عمان في أزمة أو محنة أو موقف وطني، فالوفاء كلمة لو بحثت عنها لوجدتها خرجت من أحشاء التربة العمانية الطيبة، والعمانيون بطيبتهم اللامتناهية يرون الآخرين على شاكلتهم حتى عندما توسل إليهم ياسر عرفات أن يفتحوا قناة دبلوماسية مع إسرائيل لتحسين وضع السلطة الوطنية لم يترددوا على الرغم من قناعة السلطان قابوس بن سعيد بأن الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين لا يلين بهذه الخطوات.
بعض زملاء مهنة البحث عن المتاعب لم يفهموا بعد أن طيبة وكرم وحياء العمانيين ليس فرطا في السذاجة فهذا شعب عريق يحمل هو أيضا عبقريتي الجغرافيا والتاريخ( وفقا لتعبير جمال حمدان) رغم سباته على الهامشين معا قبل فترة تولي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم منذ ثلاثين عاما.
لهذا أساء البعض لكرم الضيافة في صورة من أبشع صور الاستغلال المادي والاستعلائي وحتى الإعلامي، ظنا منهم أن العمانيين لا يميزون بين الغث والسمين، وبين الطيب والقبيح وأنه يمكن إرضاؤهم بأقل القليل من مديح غير صادق أو كتابات لم تمر على القلب أو العقل وليس فيها نَفَسٌ من روح هامت ولو لبعض الوقت فوق الأرض العمانية أو لمست تجربتها ونهضتها وتطورها.
كرم الضيافة العماني لا مثيل له في العالم العربي برمته، وهو مشوب بكل الحياء الذي تحتضنه عذراء في خدرها، والكبير في سلطنة عمان صغير حتى يغادر ضيوفهم أرض عمان الطيبة عائدين إلى أوطانهم.
ووزارة الإعلام العمانية في عهد وزيرها السابق مستشار السلطان للشؤون الثقافية عبد العزيز الرواس تمكنت من جعل كل ضيوف الوزارة يشعرون على مدى سنوات أنهم أصحاب الدار، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا بأن موظفي العلاقات العامة في الوزارة باتوا في الواقع هم الضيوف الذين يستأذنون في كل صغيرة وكبيرة خشية أن تهب نسمة خفيفة من هواء عمان الدائم ربيعيا، حتى في خريف صلالة، فتجرح ضيفا أو تعكر مزاج إعلامي.

واستمرت وزارة الاعلام على نفس النهج ففي مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي الذي استقطب مئات الإعلاميين والصحفيين كان وزير الإعلام حمد بن محمد الراشدي يجلس في جناح صلالة بفندق انتركونتننتال في الطابق السادس وابتسامته الهادئة لا تفارق محياه فيدخل عليه الصحفيون والإعلاميون فرادى وجماعات بدون موعد مسبق ويشعر كل منهم أنه الأثير لديه والأقرب، بل والضيف المعزز المكرم، ولا حجر على سؤال أو خطوط حمراء يتلقاها الصحفي قبل الدخول فالعمانيون يثقون ثقة يقينية بفكر قائدهم السلطان قابوس بن سعيد وبأنهم على خطاه في نهضة بلدهم يسيرون على الطريق السوي.
في الحقيقة فإنني أردت أن أقدم لمضيفينا العمانيين سبعين اعتذارا في كل يوم قضيته هناك بسبب ما بدر من كثير من الإعلاميين المفترض فيهم أنهم ضمير الأمة وذاكرة ثقافتها وحاملو شرف القلم.
صخب وصياح، واستغلال غير برئ لكرم العمانيين الأكثر براءة في الوطن العربي كله، وحتى أجنحة المواد الإعلامية لدول مجلس التعاون الخليجي تعرضت للسطو عدة مرات، ففي اليوم الأول تم الاستيلاء على كتب جناح دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي اليوم الثالث اختفت الكتب والمصاحف من جناح الإعلام الخارجي للمملكة العربية السعودية.
المركز الإعلامي الذي أقامته وزارة الإعلام بأربعين جهاز كمبيوتر وعدد من أجهزة الفاكس أرفقته أيضا بكروت هواتف دولية لا حصر لها، وكان مسؤلو العلاقات العامة يقومون بتوزيعها وسط استغلال مسيء من الإعلاميين الذين يستخدمونها وكأنها للمكالمات المحلية.
ومع ذلك فلم يفقد واحد من كتيبة الضيافة الرائعة والكريمة بالعلاقات العامة صبره أو تبهت ابتسامته أو يعبر عن ضيق ولو للحظة واحدة.
كان هناك عدد كبير من الصحفيين الذين أبقى عليهم الوفاء العماني الأصيل حتى ولو لم يكونوا قادرين على العطاء، فالعماني لا يدير ظهره لضيفه، ولا يستدعي لبلده من هو في حاجة إليهم كما تفعل أكثر الدول العربية، لكنه يستضيف من هو في حاجة إلى زيارة أو مال أو مصالح خاصة قد لا تعود بأي نفع على سلطنة عمان أو شعبها أو قضاياها.

شعب يعيش في زمن جميل صنعه بنفسه وحاول إشراك الآخرين معه، لكن الكثيرين لم يستوعبوا هذا التسامح العماني وظنوه ضعفا أو قابلوه بعدم اكتراث.
إعلاميون كثيرون يضعون شروطا مجحفة للضيافة وكأنهم قادمون لتعليم العمانيين أو تقديم خدمات إعلامية لهم أو التعريف بهم لدى قراء ومستمعين ومشاهدين لم يتعرفوا من قبل على أي مشهد من مشاهد عمان الحديثة، لكنها في واقعها علاقة تبادل منافع، فالإعلامي أيضا يستفيد ماديا ومعنويا وتسمح له الاجتماعات والمؤتمرات بتوسعة رقعة معارفه وأصدقائه بل أن الإعلام يصبح متبادلا فهو يقوم بالتعريف بنهضة سلطنة عمان والدولة تمنحه الفرصة ليتعرف على أعماله الآخرون.
لحمقى فقط هم الذين يظنون أنهم أرفع شأنا من مضيفيهم العمانيين أو أنهم قادمون من عالم أكثر تقدما وتحضرا، فهذا ليس صحيحا بالمرة خاصة وأن الفساد والرشوة والمحسوبية والتزييف والسرقات الأدبية تنتشر في عالمنا العربي انتشار الأمريكيين في قصور حكامنا.
أيها الإعلاميون من ضيوف سلطنة عمان: لا تنبهوا هذا الشعب الطيب البكر إلى أن في عالم الصحافة شرور الاستغلال والاستعلاء، ولا تفضوا بكارة العمانيين فسندفع جميعا ثمنا غاليا

ليست هناك تعليقات: