2009/09/06

لماذا لا يتعلم العرب من العمانيين؟




أوسلو في 3 يونيو 2003
خلال التجمعات الصحفية والاعلامية العربية في مسقط تبدو هناك ظاهرة غريبة تختلط فيها مشاعر الاستعلاء مع الأنانية الوطنية التي يرى صاحبها بلده مركزا للكون كله فالزملاء الاعلاميون يبحثون عن الصخب وزحام الأحداث حتى لو كانت مزيفة, وبيانات حكومية لا تمت للواقع بأي صلة.

وهنا لا يجد الاعلامي أو الصحفي ما يبحث عنه في سلطنة عمان, فالعمانيون يعملون بصمت كأنهم في معبد, ويعرضون انجازاتهم همسا وعلى استحياء, ويخجلون من المديح, وينفرون ممن يحدثهم عن أحلام لاكتمال نهضة لم تتحقق, وليس عن تطور ملموس مضت عليه أكثر من ثلاثة عقود واصحابه يؤمنون أنهم في بداية الطريق على الرغم من أن ما تحقق حتى الآن ينضوي تحت اسم واحد هو المعجزة بكل المقاييس.

عندما تتصفح صحف العالم العربي كله, من الصباح التونسية إلى تشرين السورية, ومن الشورى اليمنية إلى الشعب الجزائرية ومئات غيرها تخرج كل يوم من تروس المطابع وتمر على الرقيب وتسقط في حِجْر رئيس التحرير ويأمر مدير تحريره بجواز النشر, لا تجد إلا قليلا عن سلطنة عمان, باستثناء ما يكتبه أصدقاء هذا البلد الطيب الذين صنعهم الوزير المستشار عبد العزيز الرواس, واحتفظ بهم وزير الاعلام حمد بن محمد الراشدي, وتواصل معهم وكيل الوزارة الشيخ عبد الله بن شوين الحوسني, ولعلنا لا ننسى مدير الاعلام الخارجي ماجد بن سعيد المحروقي الذي يعطي انطباعا في كل مرة أنه قادم من الزمن الجميل.

لماذا لم يخرج أسامة بن لادن وأبو حمزة المصري وعمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري والتميمي ومئات غيرهم من سلطنة عمان؟

لم يكن هذا ممكنا فالتربة العمانية التي استطاعت أن تلين ثوار ظفار وتجعلهم بمحض ارادتهم جزءا من الوطن الداخلي ولا تربطهم بأي قوى خارجية روابط ولو واهنة كانت سترفض استنبات هؤلاء لأن التجربة العمانية غريبة من نوعها, وليس من السهل على العقل العربي المعتاد على الصخب وبيانات التزوير الحكومية أن يستوعب كنهها أو يقرأ فكر السلطان قابوس بن سعيد.

في معظم الدول العربية يتولى الأمن محاربة الارهاب بعد ولادته وصناعته محليا, وتظن السلطة أن هراوة الشرطي التي تحطم رأس المتطرف قادرة على خلق عبيد مطيعين لا يعصون السيد ما أمرهم, ويفعلون ما يؤمرون. أما عبقرية الحكم للسلطان قابوس بن سعيد فقد جففت منابع الارهاب عندما اشترك المواطنون كلهم على اختلاف مشاربهم وألوانهم في حُكم الوطن وخدمته.

لم يكن من الممكن أن يستوطن الارهاب سلطنة عمان, أو يحطم منجزات قام كل المواطنين بصناعتها جماعات وأفرادا ورفضت السلطنة منذ بداية النهضة الطائفية والمذهبية والولاء لجماعة أو قبيلة أو وطن مصغر يخلقه التحزب والتشدد وتكفير الآخرين, لهذا لم يستطع الارهاب أن يجد في تربة سلطنة عمان مكانا واحدا يصلح له.

يتسابق الحكام في عالمنا من أجل بناء أكبر عدد من المعتقلات والسجون وبناء جيش من الأمن المركزي والأمن العام والحرس الجمهوري والخاص والسري وأجهزة المراقبة, لكن السلطان قابوس بن سعيد لم يكن في حاجة لكل هؤلاء الحماة لأنه يعرف أن الشعب هو الجهة الوحيدة القادرة على حمايته.

لو أن ما حدث في الكويت بعد الغزو العراقي عام تسعين والتفاف الشعب كله حول قيادته الشرعية الممثلة بآل الصباح الكرام تكرر في كل البلاد العربية لما التف الشعب كله حول أكثر من قيادتين أو ثلاث ومنها بالطبع القيادة العمانية أما الآخرون فإن الشعب كان سيغفر للمحتل من أجل التخلص من الحكم الوطني.
هل تستطيع أي حكومة عربية أن تخرج كلها مع قائدها ووزير الدفاع ووزير الداخلية ليومين أو ثلاثة خارج بلادها؟ مجنون من يظن أن أقل من ثلاثة أرباع زعمائنا العرب سيسمح لهم الشعب بالعودة إلى السلطة.

بعض زعمائنا العرب يطلبون من وزير الداخلية ووزير الدفاع التواجد في المطار طوال فترة غيابهم خشية القيام بانقلاب والاستيلاء على السلطة.

سلطنة عمان تمكنت أيضا من تجنب جحيم الفتاوى الفجة التي تعوق حرية المواطن وتكبله وتقتل قوى الابداع فيه. وسلطنة عمان تحصد في العام جوائز عديدة في الصحة والحفاظ على البيئة والاهتمام بالبحر والأسماك والمزروعات والتوعية التعليمية وحقوق المرأة.

أهم ما يميز سلطنة عمان هو أنها خصم لدود للفساد, ولا يستطيع اللصوص الحصول على تسهيلات لنهب الوطن, فلا المصارف تقرض المحتالين بالمليارات, ولا تقوم السلطة بصناعة حيتان المال والرشوة والمحسوبية.

وسلطنة عمان لم تأخذ حقها من السياحة العربية على رغم الجهد الذي تبذله الدولة وخاصة وكيل وزارة التجارة والصناعة لشؤون السياحة محسن البلوشي المهموم بخلق صناعة سياحية متطورة, ولكن للأسف فالأمر يتعلق أيضا بشركات الطيران والأسعار العالمية والمسافة والاعلان والتعريف بالدولة وجهل السائح الأوروبي بها وعدم اصغاء السائح العربي للمعلن أو المروج.

تحتاج سلطنة عمان إلى مزيد من الفنادق المتوسطة, وسيارات سياحية, وبيوت شباب في كل ولاية ومحافظة, وتسويق السلطنة سياحيا بين ملايين من الشباب وطلاب الجامعات في العالم كله بدون استثناء مع التركيز على دول الاتحاد الأوروبي واليابان وأمريكا وكندا واستراليا .

تسويق سلطنة عمان سياحيا ليست مهمة العمانيين فقط, فكل عربي زار هذا البلد عاد فخورا بكل الانجازات وفي مقدمتها احتفاظ المواطن العماني بخامته البكر غير الملوثة بعالم الاستغلال السياحي الموجود في أكثر بلادنا العربية.

سلطنة عمان أيضا هي الدولة العربية الخليجية الوحيدة المؤهلة للسياحة، كما تمكنت دولة الامارات من احتلال موقعها بجدارة في السياحة التسوقية بفضل عبقرية الفكر الاقتصادي لدى آل مكتوم وآل نهيان.

وسلطنة عمان قامت بفضل الفكر الحي واليقظ والوطني والمخلص للسلطان قابوس بن سعيد ببناء أساس متين للاستقرار السلمي والأمني ومن هنا فإن ثقافة التهويل لم تعرف طريقها لها, والعاهل العماني لا تأخذه العزة في أي قرار يتخذه أو تخطيء فيه الحكومة أو مشروع أو خطة خمسية غير قابلة للتحقيق أو وصلت لنصف فشل, فهو قادر على أن يعتذر ويصحح المسار ويعاقب الذين أخطأوا عمدا أو لم يشيروا إلى الثغرات في المشروع.

وسلطنة عمان في سباق مع الزمن, وهي لا تسبح فوق بحيرة نفط, ولا يتعامل قائدها مع أموال الدولة على أنها بدون حساب, فجهاز المحاسبة يمد يده إلى البلاط السلطاني, ويحاسب السفارات, ويفتش في البعثات الدبلوماسية, ويراقب الأثرياء دون اعتداء على حرمة المال أو تخويف المستثمر.

مرة أخرى نتمنى أن يقوم كل عربي ولو مرة واحدة بزيارة سلطنة عمان وسيكتشف أن في وطنه العربي جنة سياحية للعائلة وللفرد وللشباب وللباحثين عن الجمال والطبيعة والهدوء, وسيكتشف أيضا عالما من المضيفين للزوار والسياح لا يستغلون ضيوفهم, ولا يتعاملون بسعرين, سعر للمواطن وآخر للسائح.

وزارة الثقافة والاعلام العمانية لا تقوم بتلميع السلطة أو بخدمة الكبار أو بتزوير وقائع رسمية, لكنها تحقق التوازن والانسجام بين النهضة وبين الثقافة والاعلام, لذا ظل أصدقاء سلطنة عمان من الاعلاميين والمثقفين والكتاب والمفكرين قليلا مقارنة بدول عربية تستضيف الالاف وتتوقع منهم الكتابة عن الفشل كأنه نجاح, وعن الفقر وتطلق عليه الثراء في ظل حكومة الزعيم الأكبر!

سلطنة عمان تستحق لقب جنة الخليج عن جدارة, ولا يعيبها أن الصحافة العربية لا تكتب عنها, ولا تجد في أخبارها ما تبحث عنه من ضجيج فارغ وانجازات على الورق أما فلسفة السلطان قابوس بن سعيد في النزاعات العربية والدولية والحروب والصراعات والخلافات العربية والمهاترات والمعارك والحروب والصراعات والخلافات العربية والمهاترات والمعارك الاعلامية فتحتاج إلى مقالات عدة, وكنا قد نشرنا كتاب ( سلطنة عمان ..صناعة الزمن الجميل ) للحديث عن بلد أصبح موضع فخر واعتزاز لنا جميعا.

ولن يفهم ما حدث في سلطنة عمان أي شخص لا يبدأ التعرف على هذا البلد قبل ثلاثين عاما ونيف عندما كانت هناك ثلاث مدارس فقط وصحراء قاحلة وفقر وجهل وحروب ونزاعات وأمية وتخلف وشعب عظيم وكريم وبكر يعيش على هامش التاريخ وخارج منطقة الحضارة وعصرها.

ليست هناك تعليقات: