2012/03/10

سلطنة الحب!

كل الأشياء قابلة للتغير، والأجيال لا تستطيع أن تتوارث صفات بجل حذافيرها فهناك ظروف تستجد، واخرى تفرض نفسها في عالم بدأ الرجل ( الجنتلمان ) ينحسر قليلا، فالابتسامة عملية تجارية وهي تتسع وتنقبض وفقاً لسعة جيبك، كما يحدث في معظم الأماكن السياحية.
سلطنة عمان حالة عجيبة أشبه بالمعجزة في القدرة على الاحتفاظ بأصالة ومعدن شعب تمر عليه رياح التغيير فيتعامل معها برفق، ولكن تظل طبائع العُمانيين الجميلة، والرقيقة، والوديعة تقاوم رياح القحط النفسي التي مرت على معظم دول العالم فاقتلعت من النفوس الدفء والمحبة والمودة.
قم بزيارة سلطنة عُمان، ثم عُد إليها بعد عام أو أثنين أو أكثر، ستفغر فاها من دهشة تصيبك طوال فترة اقامتك بين العُمانيين، فهم يتمسكون بأجمل قيم الحياة ألا وهي الطبيعة البكر في التعامل مع كرم شديد يصيبك بخجل فلا تدري من الضيف ومن المضيف؟
كيف حدث ذلك؟
هل هو النظام السياسي للسلطان قابوس بن سعيد الذي أعطى للعُمانيين جرعات متساوية من الثقة بالنفس المشوبة بخجل شديد؟
هل السبب هو غياب الطائفية والقبلية والمذهبية في سلطنة عمان؟
هل هو الشعور بالأمان في عالم يتوقع بين لحظة وأخرى أن تنقلب الدنيا عاليها سافلها، وتطير صواريخ، وتتحرك جيوش، وتغلق مضائق، ويتنافس الكبار على الجو والبحر والأرض، لكن عُمان تنأى بنفسها عن أن تكون طرفا في نزاعات لا تعنيها إلا قليلا، أو تخشى على نهضتها من التدمير بعدما قضى القائد والشعب سنوات طويلة في بناء دولة كانت منذ أربعة عقود على هامش التاريخ والجغرافيا والتعليم والصحة ...؟
في كل الأحوال فإن العمانيين نجحوا فيما فشل فيه آخرون، وتمسكوا بأجمل قيمة في الحياة وهو التسامح تجاه النفس والغير فصنعوا سلاماً داخليا انعكس على وجوه مضيفة تحسبها من دماثة الخلق ضيفاً يستأذنك وهو في بيته، ويرجوك أن تتكرم عليه في ملكيته الخاصة، ولا ينظر في عينيك وهو يرحب بك خشية أن تظنها منة منه أو تفضلا من الأعلى.
في كل مرة أزور سلطنة عُمان يدهشني هذا التمسك بالتقاليد والإرث الأخلاقي والوداعة الطبيعية غير المفتعلة، فتتضاعف تساؤلاتي عن تلك القدرة العجيبة التي جعلت صفات العمانيين تغلب على كل صور الجذب السياحي للزائر، فأنت تعود إلى المكان ليس فقط لجماله، ولكل لأصحابه وسكانه وأهله.
لو جاز لي أن أختصر سلطنة عمان في كلمتين فلا أجد أبلغ من ( سلطنة الحب )، فالعمانيون كنز لا يفنى من مختلف المشاعر الراقية والمتحضرة و .. البكر.

ليست هناك تعليقات: