2018/01/23

محاولة فاشلة لجرّ سلطنة عُمان إلى الطائفية!


الاتهامات التي يكيلها الكاتب العُماني سعيد جداد والمقيم في العاصمة البريطانية غير نزيهة بالمرة، وتحمل قدرًا كبيرا من المغالطات المشكوك في نيــّـة صاحبها.
إن كون الكاتب من المواطنين العُمانيين لا يعني أنه قادر على الحُكْم الصائب، فأكثر المواطنين في دول العالم هم الأقل معرفة بعُمق الهموم الوطنية التي يعيشون فيها؛ لأن العادة تصيب بالعمىَ الفكري، خاصة إذا كان صاحب الرأي يهاجم نظاما وذهنه منشغل بنظام آخر.
مواقف سلطنة عُمان ليست ضبابية، كما يزعم الكاتب العُماني، ولكنها سياسة صريحة في النأي عن الصدام مع الجيران، لذا كانت عبقرية السلطان قابوس بن سعيد في غضِّ الطرف عن كيلومترات هنا وهناك على الحدود مع الأشقاء بعيدة النظر، وأي دولة عربية تنام حدودها في أحضان السلطنة تشعر بالأمان، وتقيم تنمية، وتقبل استثمارات تعود بالنفع على الدولتين معا، تماما كما يحدث على حدود النرويج فالسويديون يقيمون تجارة ومدنا صغيرة ومجمعات أنعشت البلدين.
السلطان قابوس وحدوي بدون صراخ، وعروبي بغير مزايدة، ومتسامح بينه وبين الطائفية بُعدُ المشرقين، وسلطنة عُمان صنعت نظاما متماسكا من الوحدة الوطنية جعل اختراقه عصيا على كل الطائفيين حتى أن وزيرة السياحة راجحة بنت عبد الأمير بن علي عندما توفاها الله لم تجرؤ جهة واحدة عُمانية أن تشير إلى مذهبها الشيعي، فالدولة التي أخرجها السلطان قابوس من حروب شبه التقسيم في السبعينيات قائمة إلى ما شاء الله على تماسك جميع المواطنين وليس التحاما مؤقتا يتبخر بغياب القائد، أطال الله عُمره، عن الحياة اليومية المستقرة للعُمانيين.
يقول الكاتب العُماني بأن الحكومة تتصرف بدون رقيب، وهذا غير صحيح بالمرة فقد قصّ علي أحد أصدقاء الطفولة من الاسكندرية عن عمله خلال سنوات الإقامة في عُمان عن الرقابة الصارمة التي كانت جزءًا من عمله في الرقابة على البعثات الدبلوماسية والبلاط السلطاني وغيرها من أماكن السلطة، وأكد لي أنه لا أحد فوق المساءلة المالية للدولة.
إن التعاون المفتوح، وفقا لوصف الكاتب، مع ايران ليس مؤامرة عُمانية طائفية، فالجمهورية الإسلامية على مرمىَ حجر من سواحل السلطنة، وحراس الثورة قادرون على الوصول إلى الجيران في طرفة عين بمجرد أن يشير إليهم الزعيم الروحي، وسياسة السلطان قابوس كانت تعهدًا بينه وبين شعبه على الحفاظ على السلام بأي طريقة شريطة أن لا تخدش الاستقلال الوطني.
أما إذا تعلق الأمر بالهموم الوطنية العربية، خاصة قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين فقد سارعت عُمان بالدعم والمساندة وسمحت بالمظاهرة الكثيفة ضد اسرائيل دونما رفع لهجة الوعيد والتهديد والاستفزاز، فبدا لغير المتابعين للمشهد برمته أنها ليونة ونعومة على غير الحقيقة.
أزمة ظفار التي يشير إليها الكاتب العُماني انتهت تماما منذ عدة عقود حتى أن الشباب العُماني لا يدري عنها شيئا فقد تجلت عبقرية السلطان قابوس في ضم الظفاريين إلى حكومته الوليدة والشابة، وشاركهم أو شاركوه في حُكم الوطن لتصبح المسؤولية جماعية، وبعد نصف قرن غزا الشيبُ مفرق كل منهم، وجاء أبناء، ثم أحفاد لم يسمعوا عن حروب الثوار الذين لجأ كثير منهم إلى الأمن والأمان في أحضان قائد حاربوه فعانقهم، ناهضوه فصافحهم.
إن قول الكاتب سعيد جداد بانحياز سلطنة عُمان إلى الحوثيين والفرس، على حد قوله، بعيد تماما عن الحقيقة ويصب زيتا على نار الطائفية، فالعُمانيون لا يستخدمون تعبيرات الفرس لوصف جيرانهم، ولا يدعمون الحوثيين بالمال أو السلاح،؛ إنما الجغرافيا العُمانية هي السيد المطاع لمئات السنوات، فإذا تغنت سلطنة عُمان بعبقرية جغرافيتها وسحر سواحلها وسلام حدودها فهي لا تحدث صخبا عسكريا يُخفي، كما تفعل دول كثيرة، فشلا داخليا، فعُمان ناجحة بكل المقاييس في النهضة، وتستطيع بموارد مالية أقل من كل جيرانها أن تصنع معجزات لأن السلطان قابوس وضع كل امكانياته منذ عام سبعين في الاستثمار البشري الذي يتضاعف ولو تراجع العائد النفطي.
سلطنة عُمان لا تقف في مواجهة السعودية والإمارات فهذا حديث يُفرّق ويمزق وحدة الخليج، واستقرار أبو ظبي والرياض ينعكس على سلطنة عُمان الدولة العربية الوحيدة التي لم يخرج من بين أضلعها داعشي واحد.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 23 يناير 2018

ليست هناك تعليقات: