2016/04/14

الإمارات وسلطنة عُمان .. الإتحاد غير المرئي!

 
الإتحاد بين دولتين ليس فقط بيانات رسمية ورفع الأعلام والحديث اليومي عن الأشقاء في الجانب الآخر،  ولكن هناك إتحاد أعمق وأرسخ لا يراه العابرون ولا يلفت نظر المانشتيين ( المانشتي هو الذي يبني معلوماته على العنوان العريض لأي وسيلة إخبارية)!
الإتحاد الخفي وحدة بين شعبين تجعلك تدلف من مكان إلى آخر، لكنك لا تبرح مكانك.
الإتحاد الخفي حالة من التعاطف والانجذاب والمحبة يصبح بها الشيء الغريب أن تتحدث عن الآخر وكأنه هناك وليس في المشاعر والأحاسيس والألفة الوطنية والهوية غير المكتوبة!
لا تندهش إذا قرأت أن دولة الإمارات أقامت خياماً على الحدود مع السعودية لتكون في خدمة العُمانيين، حجاجا أو عالقين أو منتظرين، ومع ذلك فلا يمــُـنّ الإماراتيون على أشقائهم بأقل صور التفاضل فهي تجرح الإتحاد غيرالمرئي بين شعبين .
قال لي مضيف عُماني في إحدى زياراتي لمسقط بأن شقيقه الذي خدم في جيش الإمارات لم يكن يعرف، حقيقة وليس مجازاً، أنه جيش دولة أخرى، فهو هنا أو هناك في حالة واحدة تغمرها مشاعر الوطنية ، فخدمة العــَــلـــَـم حالة عشق وحدوي لمكانين في وقت واحد!
لو طلب جلالة السلطان قابوس بن سعيد أو صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد من نظيره توقيع معاهدة وحدوية لتعجب الآخر قائلا: لكننا فعلا وواقعا وحقيقة في إتحاد عُماني/إماراتي غير معلن رسمياً!
من المؤكد أن هناك أسباباً كثيرة تفسر أبعاد هذا الإتحاد غير المرئي أو غير المعلن وأهمها نجاح الدولتين في إقصاء الطائفية وإبعادها عن الهموم الحياتية اليومية للمواطن هنا و .. هناك!
قال لي وكيل وزارة عُماني بأنه يقود سيارته مع أسرته ولا يشعر أنه دخل الحدود مع دولة الإمارات  تماما كما يدخل إسباني البرتغال أو يعبر ألماني إلى لوكسمبورج أو فرنسي يتناول غداءه في فنتميليا الإيطالية  على الحدود!
في مهرجان صلالة الخريفي السنوي يأتي الإماراتيون بعائلاتهم وأطفالهم كأنه مهرجان داخل الإمارات، ويسقط رذاد المطر الخفيف يدغدغ بمتعة شديدة وجوه سمراء لوحتها شمس أبو ظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة، ولا يعرف الأطفال الإماراتيون أنهم في بلد آخر!
أحيانا تتوجه الحكمة القيادية إلى المنطقة الأهم حسبما ترى رؤية القائد، فالشيخ زايد، رحمه الله، كان يرى الضرورة القصوى في جعل الشارقي أو الدبياني يشعر أنه إماراتي أولا، وتحققت الرؤية مطابقة لحلم المؤسس الراحل، تغمده الله بواسع رحمته.
وكانت رؤية السلطان قابوس، شفاه الله وأطال عُمره، تتوجه إلى الإلغاء التام لكل صور التمذهب والطائفية والفروقات العقيدية من جذورها، فتحولت سلطنة عُمان إلى واحة السلام الديني، فإذا زرتها وصليت في مساجدها لا تشعر بأن من يركع بجوارك أمام الله سني أو إباضي أو ينتمي لأي مذهب آخر.
السلطان قابوس ضم المعارضين في أوائل السبعينيات إلى السلطنة، بل إلى الحُكم وأهم وزرائه كانوا على الجانب المقابل في ظفار، فغرس الوطن مكان السلاح. والشيخ زايد جعل الحكام السبعة في هوية واحدة، لكنه لم ينتقص من قدْر أي حاكم مقابل الآخر، فالفجيرة مثل دبي، وأبو ظبي تكبير لعجمان.
الوحدة بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة قائمة بغير بيان رسمي والإمارات امتداد لسلطنة عُمان، وسلطنة عُمان إمارة ثامنة لأنجح مشروع وحدوي عربي في التاريخ الحديث.
لذا فإن شركات السياحة عندما مدت أجنحة طيرانها من الشمال الأوروبي  لم تجد خيراً من جعل زائريها وسائحيها يشعرون أن المحطة الأخيرة بعد دبي هي مسقط، وأن التسوق في العاصمة الإماراتية الثانية لا يكتمل إلا بزيارة قلاع مسقط و.. نزوى.
وحرب اليمن لا يمكن أن تُفرق بين الدولتين، إنما تحتاج لرؤية استراتيجية ذكية تدخل من شعاب التاريخ وتمر عبر الجيران وتتفهم العلاقات بين كل واحدة من الدولتين وجيرانها، وتعرف أن هناك ضغوطات في الخليج وتشابكات في المصالح وقوىَ كبرىَ في المياه الدافئة تنظر بعين الريبة والشك ولو اتسعت ابتسامتها، فأحلام الكبار في حدود الجيران الأصغر لا تختفي، إنما تتخفىَ ولو طالت من طنب الصغرىَ إلى الصحراء المترامية الأطراف، ومن سد مأرب إلى جزيرة حنيش، فعبقرية القيادات الإمارتية والعــُــمانية هي في إبعاد شبح الدولتين عن خيالات كثيرة تظنها الكعكة الكبرى.
لا أظن أن سلطنة عُمان ودولة الإمارات ابتعدتا عن بعضهما قيد شعرة، والإماراتي الذي لا تهفو نفسه لذِكــْــر عُمان، كالعُماني الذي لا يهتز صدره فرحاً بكل نجاح إماراتي، كل منهما غريب عن بلده، أقصد الإتحاد غير المرئي!
أبشر الصائدين في المياه الداكنة أن الرباط بين الدولتين لا ينقطع، وأن الحيتان المذهبية لا تفترس من يسبح على شاطيء إماراتي أو عُماني ، وأن الإتحاد غير المرئي أقوى وأمتن وأعمق من مياه الخليج!

 

ليست هناك تعليقات: