2009/09/08

اشراقة المشهد العماني



أوسلو 13 أغسطس 2005
هل أنت واحد من ملايين العرب الذين يصبحون ويمسون على أخبار حزينة عن حروب وبطالة وأمراض متفشية ونهب وسرقات وسجون ومعتقلات وزائر الفجر وأجهزة أمن تراقبك كأنها وضعت كاميرا خفية مع قرينك من الجن والعفاريت؟
هل أنت واحد من الذين دب اليأسُ في نفوسهم من أي تطور عربي، وتريد أن تهاجر إلى غير رجعه، وتشاهد قناة ( ترافيل ) التي تصحبك إلى مدن العالم فتطرح على نفسك مئة سؤال عن سبب تأخر بلدك وتقدم الآخرين؟
هل أنت واحد ممن يظنون أن متعة السفر وبهجة احتضان الطبيعة وغبطة الأمن والأمان بين أفراد شعب لا تتحقق إلا إذا حطت بك الطائرة في جزيرة يونانية أو جنوب اسبانيا أو جزر الكناري أو حتى براغ أو صقلية؟
هل أنت واحد من ملايين العرب الذين يظنون أن سلطنة عمان صحراء قاحلة وبدو رُحّل يبحثون مع جِمالهم على مورد ماء، ويعلق كل منهم خنجرا من فضة، وأن العمانيين على هامش التاريخ، وليس لديهم مثلما يوجد في بلدك شعراء وأدباء وعلماء وأكاديميون وجامعات متقدمة ومستشفيات حديثة وإدارات قائمة على أحدث الطرق والدراسات والتطبيقات؟
هل أنت واحد من الذين يظنون أن سلطنة عمان تقع في النصف الآخر من الكرة الأرضية ، وأن السياحة فيها كمعظم بلادنا العربية استغلال ورشوة واكراميات من الصباح إلى المساء؟
هل أنت مثل المستشار المثقف والمتعلم والذي يعمل في دار القضاء في بلد عربي والذي عندما حدثته عن سحر عُمان وعن النهضة المباركة فيها وعن تقدم العمانيين سخر مني أمام جمع من رجال القانون، وقال أليست هي البلد التي يضع زعيمها خنجرا في وسطه؟
إذا كنت واحدا من هؤلاء، فقد ارتكبت جريمة الجهل عن سبق اصرار وتعمد، فالمشهد العماني لم يعد كما كان منذ عشرين عاما، يقدمه أصحابه على استحياء ويعلم قائد النهضة أنه لا يزال في أول الطريق، ولم تكن قد مضت خمس عشرة سنة على الانطلاق من نقطة الصفر.
رغم الجهد الرائع الذي تبذله كل أجهزة الدولة وعلى رأسها وزارة
الاعلام للتعريف
بسلطنة عمان، إلا أن الحقيقة التي لا ينبغي أن نغض الطرف عنها هي أن هناك جهلا متعمدا بما يدور في هذا البلد العربي الأصيل.
تشترك سلطنة عمان في عشرات المعارض من الكتب إلى الصناعات اليدوية، ومن السياحة إلى الآثار والتاريخ.
وتقيم السلطنة على أرضها مهرجانات وعروضا واحتفالات تشمل الدولة كلها وليس فقط مسقط أو خريف صلالة.
ولا تتأخر وزارة الاعلام العمانية عن الاسراع بمد من يبحث عن المعلومة بأكثر مما يريد...
وهناك سهولة في تأشيرات الدخول، ويستقبلك في مطار العاصمة ضباط جوازات كأنهم أصدقاء حميمون لك.
لكن الجهل بهذا الجزء العزيز من وطننا العربي لا يعود إلى عدم تسويق السلطنة سياحيا أو تجاريا أو اعلاميا، إنما هي فكرة مسبقة لدى السائح العربي أو المثقف أو الاعلامي تجعله يظن بأن زيارة دولة خليجية ينبغي أن يكون للعمل أو عقد صفقة مربحة أو تلقي دعوة للتمتع بالجانب الترفيهي مما تقدمه الدولة.
لقد آن الوقت وسلطنة عمان تقترب من احتفاليتها الخامسة والثلاثين ببدء أهم نهضة عربية أن يولي العرب وجهوههم شطر هذا البلد، وأن يُكفّروا عن أخطائهم وآثامهم بطول فترة الجهل المطبق بأخطر وأهم حدث تطوري، أعني من الصفر إلى سلطنة عمان الحديثة في خمس وثلاثين سنة وبموارد مالية تقل كثيرا جدا عما لدى الجيران.
إذا أردت حقا أن تستريح من عناء متابعة فواجع أمتك العربية، فعليك بمتابعة الأخبار المحلية لسلطنة عمان فهي البلسم الشافي، وهي التي تثبت بالدليل القاطع أن اشراقة النهضة المباركة تبدأ من قلب السلطنة وليس من تزييف أوراق الوطن، كما يحدث في بلاد عربية كثيرة، عندما يتحدثون عن خطة خمسية، وعن الدور الرائد في السياسة العالمية، وعن افتتاح مشروعات وهمية لعل رؤساء تحرير صحف السلطة يكتبون في افتتاحياتهم ما لا يمَُتّ للواقع بأي صلة.
ستقرأ وتتابع وتندهش وتسعد عندما تكتشف أن السلطان قابوس بن سعيد جعل بلده خلية نحل يعرف كل موقعه ودوره وعمله.
ستقرأ عن عشرات الندوات والفعاليات الكبيرة والصغيرة في طول البلاد وعرضها، ومشاركات نسائية لتنمية دور الفرد، وتعلم القيادة،
ومهارات التواصل، وبرامج في الزراعة، والوعي بأهمية الترشيد في المياه، وتعليم المزارعين طرق الزراعة الحديثة، وتوزيع بذور مجانية عليهم، وتوعيتهم بأمراض الحيوانات.
ستقرأ عن مليون مشترك في عمان موبايل، ومهرجانات الشعر، وسباق
الهجن، ومحو الأمية، واهتمام الدولة برصف طرق تصل بين قرى ونجوع وأماكن شبه معزولة، وعن دور الرياضة والثقافة والكتاب والمحاضرات والنظافة والتنمية.
وستتعرف على سر تقدم سلطنة عمان وهي صناعة الادارة السليمة، والمحاسبة العسيرة التي تنتظر من يظن الوظيفة تشريفا وليست تكليفا.ستثمن عبقرية التعامل المواطني مع الدولة، ومشاعر الفخر التي بثها السلطان قابوس في نفوس أبناء شعبه وكيف أضحت خلية النحل تلك دولة عصرية، وفخرا لنا جميعا.وستتعرف على بلد سياحي لو زرته مرة واحدة لعدت إليه مرات، وقبل كل شيء ستنحي احتراما لقدرة شعب على الاحتفاظ بعذريته العفوية والتلقائية وطيبته وتسامحه وتواضع أبنائه.
تلك لقطة خاطفة من اشراقة المشهد العُماني.

ليست هناك تعليقات: