
أوسلو في 9 أغسطس 2002
كل المقاطعات التي حاربت في يوم من الأيام لتنفصل عن الوطن الأم في أي بلد في دول العالم تعرضت من الحكومة المركزية إلى نوع من التقزيم والتحجيم ماعدا محافظة ظفار في سلطنة عمان التي لا يزال السلطان قابوس يتعامل معها كأنها عادت بحنين جارف إلى الوطن الأم بعد غياب طويل في المقابل احتفظ الظفاريون في وطنهم الأم خلال أكثر من ثلاثة عقود بنفس روح الثورة، لكنها غيرت مسمياتها وأصبحت ثورة ضد أي صورة من صور التخلف والتراجع الذي كادت تسقط فيه المحافظة في نهاية الستينات ولولا حكمة القائد الأسمر الشاب قابوس بن سعيد الذي حول البندقية المتمردة إلى غرسة في قلب الجنة الخضراء،وإلى يد تبني وتعمر وتشيد، وأيضا تعيد مجدا غابرا كان قد غاب طويلا عن عمان عندما سلم البحر لسفنها القيادة، وعرف البرتغاليون والهولنديون والبريطانيون صلابة و أصالة هذا الشعب.
في وطننا العربي الكبير يستيقظ المواطن صباح كل يوم-في معظم دوله- على أخبار سيئة من صراع حدودي، إلى فساد وهروب أموال الدولة ومحاكم التفتيش الضميرية في قلوب المؤمنين واستبداد وفشل خطط تنموية وضياع ثروات الوطن وغيرها..
أما سلطنة عمان فهي تصر على أن تجعل كل أيامها أعيادا، فبالأمس القريب اختارت الحل النهائي الحدودي مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي كان حكامها في حالة فرح ونشوة من جراء عبقرية السلطان قابوس بن سعيد في حل أي مشاكل حدودية من منطلق قومي بحت، فهو يعتبر بفلسفته القومية بضعة كيلومترات إماراتية داخل عمان، أو عمانية في أحضان دولة الإمارات أو داخل الخط الأخضر اليمني أمورا لا تستحق نزاعا أو انشغالا ليوم أو بعض يوم عن التقدم والرقي والتطور.
وتحتفل سلطنة عمان هذه الأيام بالذكرى الثانية والثلاثين لبدء النهضة المباركة التي انتشلت بلدا من نزاع مسلح ومن فقر وجهل وقحط وتأخر إلى ما نراه الآن ولا نكاد نصدق أن التاريخ والجغرافيا يمكن أن تطيع قيادة وشعبا بهذه السهولة واليسر كما فعلت مع العمانيين وقائدهم. ويشكل العمانيون في كل عام قصة حب للطبيعة اختاروا لها صلالة
ليجعلوا خريفها ربيعا، ويحتفلوا بالسياحة والبيئة والجمال والخير والتسوق والتجمع الأسري والتنزه تحت قطرات حانية من أمطار المدينة فتمنح خضرتها لمعانا وبريقا ونعومة وملمس وانتعاش يسري في نفس زائرها وعاشقها. وخريف صلالة ألفين واثنين الذي افتتحه هذا العام وزير الإعلام حمد بن محمد الراشدي أكثر ثقة في التنظيم والإدارة من أي عام سبق، بل من المتوقع أن يتوافد على خريف صلالة أعداد هائلة من السياح والزوار والأسر الخليجية والعربية. ويستعد العمانيون للاحتفال- بعد العيد الوطني بأقل من شهرين- بمهرجان مسقط الذي تتعاون فيه كل إدارات الدولة وخاصة وزارات الإعلام والثقافة والتراث والتجارة والصناعة لشئون السياحة، ففيه التسوق ومعرض الكتاب وتسويق العاصمة سياحيا وإنعاش الحركة التجارية. كلما وليت وجهك في سلطنة عمان عثرت على عيد أو احتفال أو مهرجان سياحي أو إعلامي أو ثقافي أو فكري أو تجاري، فالمهم أن سلطنة عمان لا تعترف بما تبثه إليها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية عن الكساد وضعف القدرة الشرائية والخوف من السفر وعدم وجود أمان، ويمكن اعتبار سلطنة عمان من أكثر دول العالم قاطبة أمنا وأمانا وسلاما، للفرد والعائلة والفتاة والسائح والغريب والمواطن. ولكن سلطنة عمان لا تحتفل بمهرجاناتها وأعيادها دون أن تكون قادرة على العطاء والتقدم في كل يوم وفي كل ساعة وبغير تمييز بين منطقة وأخرى أو بين صحراء ومدينة، أو بين مكان قريب من الحكومة المركزية وآخر بعيد عن عينها. وتلك ميزة تحسب في إطار عبقرية الحكم لدى السلطان قابوس بن سعيد، فلم يحدث مرة واحدة أن أشار السلطان إلى صعوبة التنمية نظرا للمساحة الهائلة والموارد القليلة للدولة مقارنة بدول مجاورة يمنحها الذهب الأسود حرية الإنفاق ووضع الخطط الإنمائية ولا تؤثر كثيرا خسائر أو فشل خطط خمسية أو هبوط في أسعار العملات أو انهيار البورصات العالمية. فسلطنة عمان عليها أن توفق بين صعوبات جمة وأهمها أن النهضة بدأت من نقطة الصفر ولم يكن في البلد بنية تحتية على الإطلاق، وأن خطوط المواصلات والطرق ابتلعت كثيرا من ميزانية الدولة، فلا تقدم ولا تطور ولا تصدير بدون شبكة مواصلات حديثة. وانبهار أي متابع للتطور في سلطنة عمان يدهشه الاهتمام المتزايد والمتوازن والعادل في التوزيع بين كل مناطق السلطنة، وقد بدأت وزارة الاقتصاد الوطني في تنفيذ الأعمال المدنية لعمل مسح شامل للتعرف على نفقات الأسرة وعلى احتياجاتها، والتأكد من أن الدولة تسير فعلا في طريق صحيح لرفع مستوى دخل الفرد والأسرة، وأن دولة الرخاء والخير ليست فقط بيانات تصدرها الوزارات وتستخدمها السلطة في تغييب الوعي لدى أفراد الشعب، كما يحدث في كثير من دول عالمنا العربي المسكين. لقد
للتطور في سلطنة عمان يدهشه الاهتمام المتزايد والمتوازن والعادل في التوزيع بين كل مناطق السلطنة، وقد بدأت وزارة الاقتصاد الوطني في تنفيذ الأعمال المدنية لعمل مسح شامل للتعرف على نفقات الأسرة وعلى احتياجاتها، والتأكد من أن الدولة تسير فعلا في طريق صحيح لرفع مستوى دخل الفرد والأسرة، وأن دولة الرخاء والخير ليست فقط بيانات تصدرها الوزارات وتستخدمها السلطة في تغييب الوعي لدى أفراد الشعب، كما يحدث في كثير من دول عالمنا العربي المسكين.
لقد استمر جمع البيانات لأكثر من ثلاث سنوات ومن أسر عمانية ومقيمة في كل مناطق الدولة، وكانت لفتة إنسانية من الدولة أن تضم في بياناتها- للتعرف على نفقات الأسر- الوافدين والمقيمين دون تمييز بينهم وبين أهل البلد.
سلطنة عمان واحدة من الدول القليلة في العالم الثالث التي تهتم بحماية المستهلك، وترفض رفضا قاطعا الاستغلال، وتلتزم بما أطلق عليه الحقوق الأساسية الثمانية لحماية المستهلك.
تتميز سلطنة عمان بأنها غير منغلقة على نفسها، فهي تشارك المجتمع الدولي همومه العلمية والطبية والنظافة والبيئة والمرأة والمستشفيات والاكتشافات والبحر، ولا يمر يوم عالمي إلا وكان لعمان فيه بصمة مشاركة، حتى اليوم العالمي للامتناع عن التدخين جعلته السلطنة كأنه هَمٌّ وطني داخلي.
في حركة الطيران الدولية تعرف القلة من المهتمين بالسفر عن الطيران العماني بحكم وجود طيران الإمارات وطيران الخليج على رأس القائمة الدولية للملاحة الجوية، لكن الحقيقة التي يجهلها الكثيرون أن الطيران العماني حقق قفزات هائلة وفاز بالمركز الأول في مجال الترويح السياحي لعام ألفين وواحد وفتح الطيران العماني خطوطا إلى الكويت و صلالة ومومباي وجدة والعين ودبي وأبو ظبي وزنجبار ودار السلام وبيروت وممباسا وهو في الطريق لتحقيق هدف لا تحيد عنه السلطنة قيد شعرة وهو التفوق الذي أصبح سمة مميزة للعماني.
ولكن يظل التفوق الأكثر وضوحا في التعامل الرقيق والمتمدن والمتحضر مع البيئة ومشاكلها وقضاياها، فلسفة عمان تحافظ عليها بحرا وبرا وجوا، وتصون الأسماك والحيتان والدلافين، وتوفر البيئات الطبيعية الآمنة، فهي دولة ساحلية تطل بألف وسبعمائة كيلومترا على ثلاثة بحار هي الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي. لم نبالغ مرة واحدة عندما كتبنا كثيرا بأن المستقبل لهذا البلد، وأن السياحة العربية والعالمية ستولي وجهها إلى سلطنة عمان .. جنة الخليج الآمنة والمسالمة بشعبها الطيب وطبيعتها الخلابة الساحرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق