2009/09/08

سلطنة عمان .. قافلة لا تتوقف



أوسلو في 8 مارس 2002
إذا أردت أن تعرف ما يحدث في سلطنة عمان فعليك بمتابعة المحليات والأخبار الصغيرة التي يمر عليها عادة المثقفون والإعلاميون مر الكرام. في عالمنا العربي الذي لا تستطيع أن تبتسم عندما تسمع أخباره، ولا يمنحك أملا في المستقبل، ولا يجعلك تثق بالسلطة التنفيذية أو بفكر قائدها، يجد المرء نفسه منجذبا بصورة تلقائية للتجربة العمانية المدهشة.إذا أردت أن تعرف ما يحدث في سلطنة عمان فعليك بمتابعة المحليات والأخبار الصغيرة التي يمر عليها عادة المثقفون والإعلاميون مر الكرام.
في عالمنا العربي الذي لا تستطيع أن تبتسم عندما تسمع أخباره، ولا يمنحك أملا في المستقبل، ولا يجعلك تثق بالسلطة التنفيذية أو بفكر قائدها، يجد المرء نفسه منجذبا بصورة تلقائية للتجربة العمانية المدهشة.
إعجابي الشديد بالتجربة العمانية ينطلق في نفس الوقت من نقطتين تلتقيان كثيرا، بل وتلتصقان أحيانا فلا يدري المتابع إن كانا يسيران متجاورين أو أنهما توأمان !
أما الأولى فهي وضوح كامل للرؤية لدى السلطان قابوس بن سعيد. إنها عملية معقدة ومتشابكة ولا يستطيع أن يستوعبها الذين وضعوا أنفسهم في إطار أحادي لا يرى شيئا بين الديموقراطية والاستبداد. ولكن فكر السلطان قابوس بن سعيد ينتمي إلى تجربة لها خصوصية شديدة في بلد مترامي الأطراف ومحدود الموارد وخارج منذ ثلاثين عاما من نقطة الصفر. وأما الثانية فهي طبيعة الشعب العماني الموغلة في الطيبة والمخلوطة بحياء شديد يظنه الغريب ضعفا. لكنه قوة إيمان وطنية ودينية وصحراوية لم تلوثها طبائع المهرولين إلى عالم الاستهلاك الجديد أو الثراء المشبوه أو التقليد المزيف. ذكرت من قبل بأنه في الأوقات الصعبة التي لا أرى خلالها بوضوح بارقة أمل في مستقبل عربي واحد، أتابع الأخبار المحلية العمانية فهي الوحيدة القادرة على إعادة الابتسامة إلى وجه عبس من كثرة متابعة أحوال هذا الوطن العربي الكبير والملئ بالمعتقلات والسجون والشرطة السرية والفساد والرشوة وتهريب الأموال وتلميع الحكام والحديث عن إنجازات عملاقة لا تخرج عن تقارير رخيصة لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه! ويمر عاشق
عمان على أخبار هذا البلد الطيب فيجد قرار السلطان قابوس بمد عام البيئة سنة أخرى، ثم تجد موضوعات البيئة ضمن المناهج التعليمية التي تدرس للطلبة على جميع المستويات واختيار المناهج التربوية المناسبة مع تطورهم التعليمي حتى يصبحوا مدركين لطبيعة القرارات التي سيتخذونها في المستقبل. أنشطة بيئية تمثل الجانب التطبيقي والعملي لرعاية البيئة، وتسير معها ثقافة بيئية تخلق وعيا عاما في المجتمع. وهنا تكمن أهمية وسائل الإعلام في خدمة المجتمع فيأتي التفاعل فورا من وزارة الإعلام العمانية مع كل تطورات نهضوية في البلاد. رسالة التوعية تستهدف الجانب السلوكي للأفراد حتى يكونوا قادرين على الحفاظ علي المنجزات الوطنية وصون الموارد الطبيعية.
اكتساب القيم والسلوكيات المحابية للطبيعة والبيئة تكاد تختص به سلطنة عمان دون سائر البلاد العربية، ويشمل الجانب النظري الذي يعم السلطنة: الندوات وحلقات النقاش والمحاضرات والمسابقات الفكرية ومعارض الرسوم والتصوير.
سلطنة عمان مكان رائع للسياحة العربية والأوربية، وفيها كل ما يبحث عنه السائح من شمس وبحر وأسواق وطبيعة خلابة وبيئة نظيفة وأمن وأمان وغطس وصيد وقبل كل هذا شعب طيب لا يلهث وراء السائح ويعلم بفطرته أن فن السياحة يبدأ من هذه النقطة.. أي ترك السائح يتحرك كما يشاء دون أن يتكالب عليه الباعة وعارضو الخدمات والاستغلاليون وذلك للأسف الشديد أكبر منفر للسياحة وطارد للسياح في الدول العربية الواقعة بشمال أفريقيا على الرغم مما تتمتع به طبيعة وبحار وشواطئ وأشياء تراثية وفنون يدوية تجذب السائح. رغم أن اللجنة المرجعية العليا لمشروع جامعة نزوى أنهت كل الدراسات والتصاميم والدراسة واختيار الموقع، وستستقبل الجامعة الجديدة طلابها في عام 2003، إلا أن باب الاكتتاب لا يزال مفتوحا للراغبين في الاستثمار في هذا المشروع العلمي الرائد.

إنه جزء ضئيل من الفكر الخلاق للسلطان قابوس بن سعيد الذي يرى أن دعم القطاع الخاص للتعليم العالي سيرسخ التلاصق والتناغم بين رأس المال الوطني والنهضة العلمية لسلطنة عمان. لأن سلطنة عمان أصبحت في مقدمة دول العالم التي ترعى الصحة والطب والمرضى وتضع كافة إمكانياتها لجعل هذا الاهتمام جزءا لا يتجزأ من مسيرة النهضة ولا يتخلف عنها قيد شعرة، فمهمة وزارة الصحة تضحى في فكر السلطان قابوس واحدة من أهم مهام الوزارات السيادية.ست وعشرون ورقة عمل تم تقديمها في الجلسات العلمية التي نظمتها وزارة الصحة في مخاطر التلوث البيئي على المرضى المنومين، وتمريض مكافحة العدوى في القرن الواحد والعشرين، ومراقبة العدوى في بيئة
المستشفى، والأنماط الجديدة للعدوى ،ومراقبة المضادات الحيوية، وسياسات وموجهات المضادات الحيوية والإصابات الناتجة عن الحقن ورعاية الجروح.
في خضم مئات الأنشطة التي تعج بها السلطنة في كل أسبوع لم ينس العمانيون بفكرهم الإنساني إقامة أسبوع سنوي للوفاء،لتعليم وتأهيل كل أفراد المجتمع للتعامل مع المعاقين من منظور إنساني وعملي، وهي أيضا رسالة مفتوحة لكل من يهمه أمر هذه الفئة، للمساهمة والمساعدة في جعلها لا تشعر أنها خارج دائرة اهتمامات صانعي هذه النهضة المباركة.
الغريب أن وزارة الإعلام لا ترى مهمتها فقط في التعريف بالنهضة، لكنها تلتحم في الداخل مع كل أنشطة الدولة حتى لو كانت صادرة عن مدرسة ابتدائية أو إعدادية في أقصى أطراف السلطنة.
ففي تعاون مع مدرسة للتعليم الأساسي نظمت وزارة الإعلام ندوة نقاشية تليفزيونية موسعة حول الحالة النفسية وعلاقتها بالتحصيل الدراسي، وكذلك العوامل النفسية المؤثرة في المناهج وطرق التدريس والعوامل الاجتماعية والمنهاج الدراسي وتأثيره على التحصيل.
لم تنس وزارة الصحة ممثلة في مستشفى نزوى ، دمج الحالة الصحية النفسية في البرامج الصحية الأولية وذلك بهدف تدريب وتأهيل العاملين من الأطباء والممرضين.
يسابق العمانيون الزمن في محاولة لتعويض سنوات تهميش هذا البلد الهام والعريق ولهذا فهم يرون أن كل ما تصنعه أيديهم يصب في صالح الوطن أو العكس، بمعنى أن بدء النهضة العمانية من الصفر لم يمنع العمانيين فرصة إلقاء اللوم على أي نظام آخر أو استعمار أو حروب أو غيرها فهو التحدي بكل المقاييس، وقد قبل العمانيون بقيادة السلطان قابوس بن سعيد التحدي بغض النظر عن أسعار النفط أو الأسواق العالمية أو ضرب السياحة أو أزمات عابرة في الثروة السمكية أو مساحات واسعة من الأراضي التي تأكل ميزانية أي دولة في حالة التركيز على رصف الطرق وربط المدن والقرى.
يفكر العمانيون دائما في تقليص نفقات استيراد أشياء يمكنهم صناعتها أو زراعتها في أرضهم الواسعة. ففي محافظة ظفار نجح العمانيون منذ عشرين عاما في زراعة بن يمني، لكنهم لم يكتفوا بهذا، إنما قاموا باستيراد شتلات بن ماليزي وتمت زراعتها بنجاح باهر تحت ظروف سهل صلالة. إن العمانيين الأكثر صمتا بين الدول العربية لن يحتاجوا قريبا لاستيراد بن من الخارج، بل ربما تصبح جبال وسهول ظفار المصدر الرئيس للبن في المنطقة.
ومع النهضة تسير بانسجام شديد وإصرار عنيد من العمانيين فكرة
التسامح الديني وعدم خلط أوراق الدنيا والآخرة كما تفعل الجماعات الدينية المؤثرة في الدول المجاورة. كرامة العماني يضعها السلطان قابوس في مقدمة اهتماماته فإذا مسها أحد بسوء فإن هذا الرجل الأسمر والمقاتل العنيد والقائد العاشق لشعبه قادر على الرد بسرعة، ويبدو أن هذا ما حدث مع الفلبين التي ظنت أنها تتقرب إلى أمريكا إن ذكرت أن من بين الإرهابيين أفرادا من سلطنة عمان، وكان رد السلطان قابوس عنيفا حتى رضخت الفيلبين واعتذرت، وصممت أمريكا لأنها تعرف جيدا أن سلطنة عمان ليس فيها مدرسة أو جماعة لتخريج التطرف الديني.
للمرة العاشرة نكتب ونطالب كل عربي أن يزور سلطنة عمان ولو لمرة واحدة وسيكتشف أن وطننا العربي مازالت فيه الروح حية تظللها كرامة شعب وكرامة قائد

ليست هناك تعليقات: