2016/03/15

الكشف قبل الختامي لنهضة عُمان!

بعد أكثر من أربعة عقود وخُمس العقد تمكن العُمانيون من الوصول إلى مرحلة الأمان التي سعى إليها السلطان قابوس بن سعيد، والأمان هنا أعني به وراثة حكمة القيادة في حالة مرض أو سفر أو راحة القائد نفسه، فأبناء الوطن يقرؤون فكره ولو لم يُطل عليهم للأسباب الآنفة الذكر.
 
في معظم دول العالم الثالث عندما يمرض الزعيم يتأهب أبناء الشعب إلى ما بعده حتى قبل الرحيل، أطال الله عُمر السلطان قابوس، ولكن في الحالة العُمانية فإن العُمانيين تخرجوا في مدرسة قائدهم، واختبروه عشرات السنين، ووجدوه بين أيديهم في صحته ومرضه، في فقرهم وغناهم، في سطوته وديمقراطيته، في ضعفهم وقوتهم.
حالة نادرة من الحُكــَّـام المنشغلين بصناعة السلام قبل الخبز، والأمان قبل الحرب، والتسامح ليسد به أي ثغرات تتسلل منها الطائفية المقيتة.
 
السلطة لا يتم تسليمها من القائد، ولكن يتسلمها الشعب في صورة أفكار وحكمة وشفافية ووطن موحد وحالة عشق لترابه من القلب و.. ليس من الحنجرة.
كان المنتقدون يقولون بأن السلطان قابوس يمسك مفاصل الدولة كلها، وقالوا بأن هذا استبداد، وتناسوا أن الاستبداد بؤس وكراهية بين طوائف الشعب وسجون ومعتقلات وفقر وفساد، لكن الاستبداد العُماني، إذا افترضنا أن هذا صحيح، هو حالة تجميع لأجزاء وطن كان عام 1970 قفراً موحشاً في مساحة واسعة، في منطقة كان يعلم السلطان قابوس أنها ستنفجر إنْ لم يجمع شتاتها، ويفتح نوافذها على الجميع، ويشارك في مستقبلها المعارضون قبل المؤيدين، وثوار ظفار قبل السلطة المركزية.
 
كل الامبراطوريات قامت على تجميع الأجزاء وليس تشتيت التجمعات، ولكن عبقرية السلطان قابوس جعلت الشعب ينشغل بالحفاظ على أمنه وبعُمانية وطنه.
كان السلطان قابوس أكبر من المشاكل الحدودية، وأعظم من التفتيت المذهبي، والقائد الذي يدخل إلى قلوب الشعب عن طريق إسعاده، ليس كالقائد الذي يتسلل من خلال مشروعات وهمية عملاقة وهشة.
استثمر السلطان قابوس حكمته في دماثة خُلق شعبه، وهنا أصبح المواطن العُماني وزارة سياحة متنقلة، وابتسامته مركز استعلامات، وتواضعه قوة جذب.
العُمانيون كسلطانهم ليسوا منشغلين ببناء قصور فوق الرمال، وإنما ببعث حضارة في وقت قياسي. وعندما ينظر العُمانيون إلى الوراء .. إلى الماضي .. إلى التاريخ، فهم لا يلتقطون منه أقاويل السلف ليعيشوا عليها وبها، وإنما أحلام الأجداد في قوة وأسطول وثراء و .. أمن.
 
السلطان قابوس يغرد مع السرب في الصالح، ويغرد خارج السرب في الحالات المشكوك بها.
كل سفراء سلطنة عُمان يرفضون المداخلات المذهبية، ولا يُقدمون أوراق اعتمادهم على ورق به رائحة الطائفية، ويصمتون، قوة وليس ضعفاً، إذا نوّه المضيف إلى مذهب أو طائفة أو تعاطف مع جماعة.
حتى الأعاصير والعواصف والأمطار تضرب سلطنة عُمان، تهدأ، وتعتذر، وتلتئم الأرض، وتتوقف السيول، وتجري الأرض في مدارها لتعيد دورتها، فالعمانيون أصدقاء الطبيعة وأحبابها، يقبلون غضبها الذي سرعان ما يعود خاضعاً للنواميس الكونية.
العُمانيون تلاميذ البحر، تصفعهم أمواجه إذا علت وغضبت واحتدت وفجَرتْ، لكنهم صامدون براً وبحراً، فإذا صفت السماء، وهدأت الرياح، ونامت الأمواج، عادوا أقوى من ذي قبل، وتغزلوا في الطبيعة، وصلـَّـلوا خريفها، واحتفلوا بمناسبات لا حصر لها.
 
السلطان قابوس بن سعيد ليس جسداً فقط، أطال الله عُمره، لكنه أصبح فكرة خالدة لشعب عظيم.
لو جلس السلطان يوما في قصره أو مشفاه أو مكان تعبده أو شرفة منزله دون أن يستدعي مستشاريه، فأغلب الظن أنهم سيعرفون ماذا أراد أن يقول لهم.
عبقرية القيادة عندما يكون كل فرد من أفراد الشعب حاملا بذرتها، يلقي بها في أي مكان فتنبت نباتا صالحاً بإذن الله.
 
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 15 مارس 2016

ليست هناك تعليقات: